د. فهد بن أحمد النغيمش
العيد فرح وسرور وأُنس وحبور، هذا يعايد أصحابه، وذاك يهاتف أحبابه والكل مسرور ومبتهج، وهذي سجية المؤمن في عيده الذي شرعه الله كما جاء من حديث أَنَسٍ، أنه قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟)، قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ)» فأقرهما صلى الله عليه وسلم على جواز اللعب في أيام العيد، ولكن من دون إسراف ولا مخيلة ولا أثام ولا معصية!
وفي المقابل هناك من يعايد الآخرين وهو يحس بأن هناك اختلافاً في عيده لهذه السنة عن الأعياد السابقة بل ويشعر بنقص يلازمه عند كل تهنئة أو مصافحة يتلقاها من الآخرين!
قيل في بعض الحكم «ليس الوجع في أيام الفقد بل حين تأتي المناسبات السعيدة فنجد من كان يشاركنا فيها بشكل أعمق وأكبر قد رحل!!».
ولعمري إن ذلك الشعور لا يحس به إلا من فقد جزءًا من جسده ولا يتألم إلا من وخزه الشوق واللقيا لمن فقد!!
نعم عيدي هذا السنة مختلف بمشاعره وأحاسيسه وأيامه ولياليه!
مهما رسمت من بسمات ومهما أسديت من رقة في العبارات والمجاملات. يبقى في القلب لوعة وشوق لم أستطع أن أتجاوزها ولن أستطيع اجتثاثها!
كنت أرجع من المصلى فأجد أمي (رحمها الله) تقابلني وتعايدني بعبارة (الله يعوده علينا وعليكم) ولم أكن أعلم أنه لن يعود عليها العام المقبل!
ما أقسى عبارتك أيها الموت! وما أشد ألمك حين تأخذ من الأحياء أكبادهم!
أخرج لأكمل العيد في جو أسري متكامل ولحمة أخوية متعاضدة فيعاودني الشعور بأنه لن يأتي يوم وأفتقد أحدهم، فإذا بالموت لم يكتف بأخذ والدتي، بل أتبعها بأخي وحبيبي (بشر)!
أي عيد هذه السنة يطل علي بدون (أمي وأخي)؟!
نعم هذه حقيقة الدنيا، تجمع وتفرق.. وهكذا الأقدار تقربنا ثم تبعدنا!
... مر رمضان كاملاً والنفس تستجيش نسائم ذكرياتهم... رمضان بكل أيامه لم يفارقني طيفهما!!
أتوسد وسادتي فأجود لها بمدامع شجية وذكريات ندية، وينتهي رمضان وكل زاوية في البيت تذكرني بهم (أحقاً أنا أحلم أم أني في خيال؟!) انقضى رمضان بدون أمي وأخي وحل العيد وكل قد أعد عدته للابتسامة واللقاء وكيف لمبسم أن يبتسم ولمزاج أن يعتدل وهناك غائبان دون رجعة أو كرّة؟..
أي عيد ذاك الذي ستزهو فيه ملابسي الجديدة؟
أي عيد ذاك الذي ستشرق فيه ابتسامتي السعيدة؟
أخبروني أي عيد؟
أهو العيد الذي لا أقبل فيه رأس أمي؟ ولا أصافح فيها يد أخي؟
أهو العيد الذي لا يلتم فيه شملنا إلا حول أمي؟
أي عيد؟ أي عيد يا ذكرياتي..
أي عيد؟
وقد سئمت السؤال..
صور أعياد مضت أرهقت مقلتاي دموعاً فأبعدت عني العيد القريب.
أمي وأخي إن العيد في عيني غريب..
أمي وأخي إن العيد في قلبي بكاء ونحيب..
أين أمي؟
أين من كانت عيدي قبل أي عيد..
لكن ليس كل عيد يأتي يسمى عيد سعيد..
إنه عيد سيمضي دون زهوة.. دون فرحة.. دون بسمة.. دون إحساس بعيد جديد.
هي سحابة حزن ودعت كل أعياد الحياة!
سحابة تمطر دموعاً وتقتل أفراحاً في سؤددها!
إن أي بيت ترحل عنه الأم تعلن جدرانه أنه لن يكون هناك بعد العيد السابق أي عيد..
هكذا كانت جدران بيتنا تهمس: أن عيدنا سافر دون رجوع..
اعذريني يا دار أمي ليس في مقدوري المجيء واعذروني أبناء أخي إن انهمرت الدموع في تقبيلكم فكل همسة منكم تذكرني بالحبيب
بأي عيد عدت يا عيد!
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
الفراق موجع والأشد وجعاً من الفراق هو الاشتياق، لكن مما يسلي النفس، ويبعث الطمأنينة داخلها أن يتذكر المسلم عظم ما أعده الله للصابرين والمحتسبين الراضين بقضاء الله وقدره، ويؤمل فيما أعده الله لمن مات ولم تمت فضائله، ولم تغب محامده وأعماله، فيرجو أن يكونوا في عيد هو أجمل من عيد لا يشوبه كدر ولا نصب ولا هم ولا حزن يدوم!
اللهم ارحم واغفر لوالدتي ولأخي واجمعنا بهم وبأحبابنا في مستقر رحمتك، اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنان، واربط على قلوبنا، وأنزل عليها السلوان والرضا.
وما زلت أتساءل أيقال في أعياد بعد أمي ((عيد سعيد))!!