د. تنيضب الفايدي
يأتي عيد الفطر كلَّ عام ويستبشر الناس بهذا العيد؛ لأنه يغرس الحبَّ والفرح والسرور في قلوب الناس، لذا فإن استقباله بالاستبشار واستخدام أجمل وألطف العبارات يعتبر ذلك شعيرة من شعائر الإسلام؛ لأن الإحساس بما تتركه تلك العبارات اللطيفة من أثر في النفوس يقرِّب القلوب من بعضها حتى لو كان هناك خصام أو تنافر بين تلك القلوب، وللعيد في المدينة: أريج العطر، وهمسة الحب، وعبق الزهر، أليست هي: الحبيبة والمحبة والمحببة والمحبوبة؟ أحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا بتحبيبها. أليست إذا ذكرت أقبلت القلوب إليها استجابة لدعائه لها صلى الله عليه وسلم «اللهم أقبل بقلوبهم»، إنها تغذي ساكنها وزائرها بكلمات الحب لأنها طابة وطيبة. حيث طاب هواؤها وتطيبت تربتها ويتحقق ذلك واقعاً ملموساً وأنت تتجول في أرجائها.
ألم تر أني كلّ ما زرت زينباً
وجدت بها طيباً وإن لم تطيب
إنك ترى إخضرار أشجارها قبل الربيع وتشعر بأن تراب أوديتها الذي تمشي عليه يختلف تماماً عن غيره.
ألا أن وادي الجزع أضحى ترابه
من المسك كافوراً وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هنداً عشيّة
تمشَّتْ وجرت في جوانبه بردا
تشعر في أيام العيد وأنت بها ببهجة العيد، ونشوة السعادة تشعر بأن الحب في قلبك أكبر من مجموع الحب في القلوب جميعاً، كما تشعر بأن الجميع يشاركك في هذا الحب، لأنك في بلدة أعطت للعيد بعداً: ها هم (الحبش) يرقصون برماحهم وحرابهم فرحين آنسين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تتفرج وتفرح، العيد فرحة، وللفرحة أحكام.. رقص الرجال مطلوب لإعلان الفرح، ها هو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم يقدم عليه حين فتح خيبر، وتلقاه صلى الله عليه وسلم فرحاً وقبله
(والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر).. أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم وأهداه الرسول صلى الله عليه وسلم وساماً يبقى ما بقي الزمان حيث قال له: «أشبهت خلقي وخلقي» وما أروعه من وسام.. هنا حجل (رقص) جعفر وله أن يرقص إعلاناً للفرح...
وهناك شواهد أخرى كثيرة تدل في مجموعها على إباحة اللهو واللعب في العيد،
وفي غيره فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الهوا والعبوا فإني أكره أن أرى في دينكم غلظة». وورد أنه قال صلى الله عليه وسلم «روحوا القلوب ساعة وساعة»، وورد في صحيح مسلم وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم «يا حنظلة ساعة وساعة». وقال عليّ رضي الله عنه «أجمّوا هذه القلوب، فإنها تملّ كما تملّ الأبدان وحجرة عائشة رضي الله عنها إحدى أقرب الحجرات إلى الروضة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع أصحابه وهم يتحدثون، وها هي عائشة رضي لله عنها قد حوّلت الحجرة إلى أنس غامر وبهجة تفرح القلب، حيث استدعت صويحباتها إلى بيت من بيوت النبوة التي طهّرها الله تطهيراً وهي معطرة بأنفاس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ صويحباتها بالغناء ويدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً بسّاماً مستبشراً فتوجّه إلى فراشه فاضطجع عليه والتحف رداءه وحوّل وجهه إلى الجدار بمعنى على الفتيات صويحبات عائشة رضي الله عنها أن يأخذن حريتهن في الغناء، وفعلاً استمرّ الغناء والرسول صلى الله عليه وسلم وقد حوّل وجهه للجدار يستمتع بأنس زوجه وصويحباتها اللائي ينثرن الفرح والسرور في هذه الحجرة المباركة، ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت ابنته عائشة فاستنكر الدفوف والغناء في هذه الحجرة المباركة ونهرهن قائلاً: مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخّل قائلاً (دعهن يا أبا بكر فإنه يوم عيد)، هذا هو الإسلام السمح، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى صويحبات عائشة الإذن في الغناء واستخدام الدفوف، وفي طيبة تعلن أصوات المدافع ليلة العيد، وتعم الفرحة والسرور الجميع ولاسيما إذا تم الإعلان في وقت قبل تمام الشهر ثلاثين يوماً ويخرج الجميع وخاصة الأطفال مرددين الأناشيد وكلمات الترحيب بالعيد السعيد، وتحرص العوائل في ليلة العيد إلى الإعداد ليوم العيد ولاسيما الملابس، وأنواع الحلوى والعطور، وما يقدم للزوار ولاسيما أن بيوت المدينة المنورة تكون مفتوحة لكل زائر، بل قد لا يوجد من يستقبلهم لأن (الصالون) مفتوح للجميع.
وتجمعات العيد لها نظام، حيث مهرجان العيد وكان قبل عقود عدة يقام بباب الكومة، حيث توجد المراجيح باختلاف أنواعها وتصلح لمختلف الأعمار بدءاً بالمراجيح الكبيرة وانتهاء «بهزي مركب». إضافة إلى العربات المزركشة التي تجرها الأحصنة والبغال والحمير، وهذه العربات يركبها الأطفال إلى مسافات ليست بعيدة وهي عربات جميلة مزركشة بمختلف الألوان، ويزيد الموقف جمالاً الأناشيد التي يرددها الأطفال.
أما الحمير في العيد فلها قصص مختلفة، وهذا الاختلاف يأتي في السعر «أي ما يدفع في المشوار الواحد»، وذلك حسب المسافة، وحسب (زركشة) الحمار، وحسب أصل الحمار، ونادراً ما تكون حمارة في مهرجان العيد، وذلك لأنها تشغل صاحبها في الدفاع عنها، من (معاكسات الحمير طبعاً)، وكم أسقط الحمار راكبه في مهرجان العيد بسبب حركات تلك المعاكسات.
وعلى هامش مهرجان العيد هناك ألعاب شعبية يمارس بعضها وإن لم تكن له علاقة بالعيد ومنها:
المزمار: وهي لعبة رجولية خطرة لها قوانين وقواعد وتتم ممارستها في العيد وبعض المناسبات الأخرى كالزواج، وتستخدم العصا والرقص على قرع الطبول حول النار وقد يتسبب الخطأ في هذه اللعبة إلى مشاجرات وإسالة الدماء ولا سيما بين «المشاكلة أو الفتوة».
هناك مجموعة من الألعاب: وتكون إما على شكل مجموعات أو شخصين أو (طفلين) أو أكثر عند ممارستها ومنها: (وبعضها لا علاقة له بالعيد وإنما ذكرت للتاريخ فقط).
الكُبوش، الحجاج، طبطب، الدَّحل (البرجوة) المزويقة (المرصاع) الكبت، طيري
(الغميمة) عُصفر، اصطففت، الطاقية، (طاق.. طاق.. طاقية ) البِربِر، أم الخمسة، التزقير، شيخ الأرض (وله اسم آخر) الطاب، الضاع، عظم وضاح (عظيم ضاح) ..إلخ.
ومهرجان العيد وما يقدم فيه وإن كان أساساً للأطفال إلا أنه يجمع الناس على الحب والتآلف والتواصل والتراحم والتزاور والتقاء القلوب.
وكل عام وأنتم بخير،،