ميسون أبو بكر
ما عرضته الفضائيات من برامج، سواء كوميديا أو دراما في شهر رمضان، كشف عن سوأة الأعمال الخليجية، وعن خلل بدا واضحاً في جل الأعمال، تاهت كفاءة الممثلين بين نصّ ضعيف وسيناريو فاشل وحبكة ضائعة، مع أن عاماً هو وقت كافٍ لصناعة عمل متميز، ولا توجد أسباب تعزو ضعف الدراما الرمضانية لضيق الوقت، حيث يبدأ التحضير للأعمال الرمضانية بعد انتهاء الشهر الفضيل مباشرة.
لقد عرّف أرسطو الدراما «بأنها محاكاة لفعل الإنسان»، ورغم أن الأعمال، سواء الكوميدية أو الدراما جاءت بعد عام من المعاناة مع كورونا، إلا أنها لم تنجح في محاكاة الواقع بما يليق بعمق الحدث وأزمته التي ألقت ظلالاً ثقيلة، وخلفت تبعات نفسية رهيبة لحقت بالعالم، حتى بعد التخلص من بعض قيودها الفعلية.
دخول ممثلين جدد كان تجديداً لروح العمل، وكان من المتوقع أن يكون له دور في إنعاش الدراما، لكنه لم يكن إضافة حقيقية في وجود نص ضعيف وأفكار بعيدة عن واقع المجتمع.
الأعمال التي جاءت هزيلة وبعيدة كل البعد عن الواقع -الذي كان يُتوقع أن يكون ملهماً وموثقاً لفترة عصيبة مرَّت بها المجتمعات- كشفت الستار عن خلل لا بد أن تتكاتف الجهود لتلافيه المواسم القادمة، ولا بد للنص أن يكون مثقفاً وتعود الدراما لحضن الأدب والأدباء الأكثر عمقاً من مجرد هواة أو مارقين في عالم الدراما.
في رحلتي من الرياض إلى جدة والتي تأخرت في الجو أكثر من ساعتين بسبب ظروف ملاحية، حظيت بفرصة متابعة فيلم ممتاز اختارته الخطوط الجوية السعودية على متن رحلاتها، كان دراما ممتعة تطرقت لحال المجتمع البريطاني خلال الجائحة، الفيلم lOCKED DOwn أعادني لتفاصيل عشناها جميعاً في العالم الذي توحدت طقوسه، وعانى ما عاناه من تبعات نفسية، سببها منع التجول والتباعد، ولبس الأقنعة، وترقب أعداد الموتى والمصابين وتحولات المرض، وفقد الكثيرون وظائفهم بسبب إغلاق منشآت كثيرة، والانهيار الاقتصادي الذي شهدته معظم الدول الذي كشف عن ركاكة اقتصادها ووضعها الصحي.
لقاءات زوم التي استعاض بها العالم عن المؤتمرات والاجتماعات تعرَّض لها الفيلم بشكل رائع، وما صاحبها من أمور مضحكة كدخول -الأطفال المحصورين في البيت- فضاء الاجتماعات الإلكترونية، ولعلنا نذكر براءة الطفل الذي كان يسأل والدته وهي في خضم اجتماعها أين يمكنه أن يضع اللوحات، وقد انتقل هذا لوسائل السوشيال ميديا، كما براءة طفل الوزيرة الإماراتية الذي قاطع اجتماع والدته وكانت في اجتماع أممي، فكان سبباً في إعطاء اللقاء روحاً فكاهية أبعدته عن رتابته، ثم أناقة -نصف كم- للمشاركين بملابس النوم وملابس تغطي الجزء الذي يظهر أمام الكاميرا.
الفيلم الذي تعرَّض لخلاف زوجي بين بطليه، والذي كان سببه فترة الحجر المنزلي الذي تناوله في الواقع كثير من الأخصائيين النفسيين والمختصين في وسائل الإعلام المختلفة، كان ممتعاً لدرجة أنه أخذني لتفاصيل عشناها؛ سيكون فيما بعد شاهداً لهذه الجائحة.الفن محاكاة راقية لواقعنا، يترك بصمته لتبقى لأجيال قادمة، وهو تاريخ فني لمن لا يحب قراءة التاريخ من منابعه، لذلك يجب أن يكون صناعة ناجحة، تلامس الواقع وتعالج بعض ظواهره.أتمنى أن أشاهد أعمالاً عربية ناجحة وصادقة وبعيدة عن التسطيح، فكورونا غيَّر خارطة العالم، والفن وسيلة صادقة للتعبير عنه.