د. عبدالحق عزوزي
هناك شخصيتان متميزتان يمكن أن نستمتع بقراءة مساريهما وما يحققاه من شهرة كل في مجال تخصصه، وكلاهما من صناعة الهجرة التي يحاربها اليوم وبشراسة العديد من الأطياف السياسية في المجتمعات الغربية: السيد إيلون رييف ماسك والسيد صادق خان..
فالسيد إيلون رييف، هو صاحب شركة سبايس إكس؛ وهو مهندس ومخترع خارج العادة. وُلد في جنوب أفريقيا عام 1971، ثم انتقل للعيش في أمريكا وأصبح مليونيراً عندما كان في العشرينات من عمره حين باع شركته الناشئة Zip2 إلى شركة Compaq للحواسيب، وحقق المزيد من النجاح بتأسيسه شركة أيكس دوت كوم X.com عام1999، وشركة سبيس إيكس عام 2002، وشركة تيسلا في 2003. تصدر ماسك عناوين الأخبار في عام 2012 حين أطلقت شركة سبيس إيكس صاروخاً فضائياً أرسل أول مركبة تجارية لمحطة الفضاء الدولية، وفي عام 2016 ملأ معرض أعماله بصور المدينة الشمسية سولار سيتي SolarCity، ورسخ وجوده على عرش القادة الصناعيين، بعد أن لعب دور المستشار في الأيام الأول التي تولى فيها الرئيس الأمريكي الإدارة. المهم عندي أنه وفي سن العاشرة بدأ إيلون بتطوير نفسه تباعاً، فشرع بتنمية قدرته على استخدام الحاسوب وتعلم لغات البرمجة وقد نجح بالفعل، حيث صنع أول برنامج قابل للبيع -قام بتصميم لعبة سماها بلاستر Blaster.
وفي عام 1989 عندما بلغ السابعة عشرة انتقل إلى كندا لارتياد جامعة كوين Queen وهرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الجنوب أفريقي، وفي 1992 غادر كندا ليدرس الفيزياء وإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا Pennsylvania، وبالفعل فقد حصل على شهادة في الاقتصاد ثم أكمل دراسته للحصول على درجة بكالوريوس ثانية في الفيزياء.... وأنا أتابع مسيرته، وجدته أنه يتغاضى عن تعليم أبنائه الصغار في المؤسسات التعليمية الأمريكية، لأنها في نظره لا تشجع المهارات ولا تخلق الإبداع في عقول الأطفال، لذا بدأ في رسم خريطة تعليمية خاصة لأبنائه!!! وقد التحمت المركبة «كرو دراغون» التابعة لشركته «سبايس إكس» السنة الماضية وعلى متنها الرائدان روبرت بنكن ودوغ هورلي بمحطة الفضاء الدولية، بعد أن انطلقت في رحلتها المأهولة الأولى. وهذه أول رحلة مأهولة إلى الفضاء تنطلق من الأراضي الأمريكية منذ نحو تسع سنوات.
أما الشخصية الثانية فهي تعكس ما يمكن أن يضطلع بها المهاجرون من أصول إسلامية في بلاد المهجر وبالضبط مع قصة العمالي صادق خان الذي استطاع أن يفوز بولاية ثانية على رأس العاصمة البريطانية، وخان هو ابن لمهاجرين باكستانيين، عاش حياة صعبة في سكن اجتماعي، ويبلغ من العمر خمسين عاماً، وكان هذا المحامي قد فاز برئاسة بلدية لندن للمرة الأولى في 2016 وأصبح أول مسلم على رأس عاصمة غربية.
يقول صادق خان بعد إعلان فوزه «نشأت في سكن اجتماعي صبيًا من الطبقة العاملة... أنا ابن مهاجرين، لكنني الآن رئيس بلدية لندن. أنا من سكان لندن. المدينة في دمي لكنني أيضاً رجل إنكليزي وبريطاني فخور بتمثيل العاصمة الرائعة للأمة»، متعهداً «ببناء الجسور بين المجموعات السكانية» في السنوات الثلاث المقبلة.
ويشهد كل المتتبعين أن من بين أسباب تصويت البريطانيين له، أن الرجل يتمتع بذكاء خارق، وأنه رجل عملي يحب العيش المشترك بين أطياف المجتمع البريطاني المختلفة، وأنه يفتخر بأصوله الإسلامية الباكستانية؛ واستطاع بذلك أن يضع لنفسه سمعة رجل يؤمن بمبادئ أوروبا السامية معارضاً بذلك سياسة البريكست الذي كان يروج له رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون، الذي كان رئيساً للبلدية قبله؛ ثم زد على ذلك أنه خلال حملته الانتخابية الأخيرة تبنى صادق خان شعار «وظائف وظائف وظائف» لتنشيط اقتصاد مدينة واجهت الوباء وبريكست الذي شكل ضربة قاسية لقطاعها المالي القوي.
أثار هذا الرجل الذي يجسد ما يمكن أن تساهم به الهجرة في دول المهجر، صخباً عارماً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام البريطانية والدولية موازاة مع مناوشاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي هاجمه شخصياً خلال موجة من الهجمات الجهادية في لندن. وقال صادق خان في مقابلة مع وكالة فرانس برس قبل أسبوع من الانتخابات «وصفني مرة... بالفاشل. أحدنا فقط فاشل، هو وليس أنا» وعيدكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم في ألف خير.