م. خالد إبراهيم الحجي
تقع مدينة العُلا في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وهي منطقة ذات أهمية طبيعية وثقافية بارزة. وقد تم إنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العُلا لحماية وصون آثارها بخطة طويلة الأجل، لتطوير المنطقة وتقديم تحوّل مستدام لها، لكي تصبح واحدة من أهم الوجهات الأثرية والثقافية في البلاد. ويشمل العمل التنموي للهيئة الملكية لمحافظة العُلا مجموعة واسعة من المبادرات في مجالات الآثار والسياحة والثقافة والتعليم والفنون، ومنها توقيع اتفاقية تعاون بين المملكة وفرنسا لتطوير المواقع التراثية والتاريخية في محافظة العُلا، التي تدل على تعهد والتزام المملكة الراسخ بحماية الإرث العالمي، والنهوض به، وتعكس مدى إدراكها بأهمية تطوير السياحة المستدامة والتراث الثقافي مع شركائها من بيوت الخبرة حول العالم، وتوطد سعيها نحو تعزيز سبل التعاون مع الشركاء كافة في مختلف القطاعات من خلال تنفيذ مشاريع متنوعة تحقق الأهداف المنشودة.. وتعد الرؤية التصميمية التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمشروع «رحلة عبر الزمن» بمثابة الفصل التالي من إرث منطقة العُلا، لجعلها أكبر متحف حي في العالم، في مكان فريد حيث تآلف الإنسان والطبيعة والثقافة معاً لآلاف السنين، مكان تكاملت فيه المناظر الطبيعية الخلابة بالعبقرية الإبداعية للإنسان، مكان بنت فيه الحضارات المتعاقبة الرابطة الثقافية بين الماضي والمستقبل؛ فظهر إبداع الرؤية التصميمية للمشروع الذي يستوحي أفكاره من «رحلة عبر الزمن» للحفاظ على أكبر واحة ثقافية في العالم، ويعبر بشكل ملموس عن الفهم الصحيح لقيمة التراث الذي تجاوز عمره 200000 سنة؛ وترتكز الرؤية التصميمية للمشروع على ثلاثة محاور أساسية هي: (أ): التعايش المتناغم بين الطبيعة والبشرية. (ب): الحفاظ على التراث الثقافي للعُلا ليراه العالم. (ج): فرص التنمية والنمو الاقتصادي المستدام.. ولتحقيق هذه المحاور الثلاثة كان لا بد أن يشتمل المخطط المعماري للمشروع «الماستر بلان» على تطوير خمس مناطق متميزة بحلول عام 2035، كل واحدة منها توفر تجربة سياحية وسكنية متكاملة، وخيارات متنوعة من منتجعات الضيافة العالمية، وتمتد حدودها من واحة البلدة القديمة في مدينة العُلا القديمة في الجنوب؛ حيث يتناغم الفن المعاصر مع الفن والثقافة، إلى مدينة الحجر الأثرية شمالا، المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، مع إمكانية التنقل بين المناطقالخمس من خلال الوادي الذي تزينه المناظر الطبيعية الخلابة، بواسطة ترام منخفض الكربون يسير على سكة حديد بطول 46 كيلومتراً، وهذه المناطق الخمس تصاميمها مستوحاة من بيئتها الطبيعية وهي:
(1): المراكز الثقافية الجديدة ومرافق الخدمات العامة، ويبلغ عددها 15 مركزاً مصممة لتحقق معنى التعايش المتناغم بين الفن المعاصر مع الإرث الحضاري.
(2): واحة دادان في البلدة القديمة قلب الثقافة «الممالك القديمة» التي ستكون حلقة وصل مع مراكز التراث في العالم في مجال أبحاث علوم الآثار لدراسة وفهم الإرث الحضاري.
(3): واحة جبل عكمة «المكتبة المفتوحة» التي تمنح تجربة ثرية في مكتبة مفتوحة غنية بالنقوش الأثرية، ومتحف وحدائق البخور، والمزارع، والمسارات الطبيعية.
(4): الواحة النبطية أو»التناغم الحي» التي تجسد تناغم الطبيعة مع الهندسة المعمارية المستوحاة من الحضارة النبطية؛ لتشكل وجهة للضيافة والفنون والترفيه والفروسية.
(5): مدينة الحجر الأثرية «الشاهد على الحضارات القديمة» أول موقع سعودي مدرج على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، وسط لوحة طبيعية من الإرث الحضاري النبطي.. وتفيد البوابة الإلكترونية للهيئة الملكية لمحافظة العُلا أنه تم بالفعل تقديم التصاميم الإرشادية لمنتجع بين الصخور، من تصميم جان نوفيل المعماري الفرنسي الشهير، الذي سيتم تشييده في أحد وديان محمية شرعان، ويستوحي نوفيل تصميمه من العمارة النبطية التي تُميز موقع الحجر الأثري، إذ يسعى جان نوفيل إلى إعادة الطراز المعماري المميز للعُلا للمرة الأولى منذ أن عمل الأنباط على نحته في صخور شرعان الرملية البالغة من العمر ملايين السنين، وسيتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل، حيث يتم الانتهاء من المرحلة الأولى في عام 2023 بتكلفة يتوقعها نوفيل أن تراوح قيمتها التقديرية بين 3 مليارات و4 مليارات دولار.
الخلاصة:
إنّ الحفاظ على التراث الفريد في الوطن التزام وتعهد على الأجيال الحالية تجاه الأجيال القادمة لتصبح العُلا مكاناً مزدهراً للعمل والعيش معاً..