د. تنيضب الفايدي
خلّد الأدب شعراً ونثراً حب المكان، ولا سيّما المواقع التاريخية، وتحتوي أرض المملكة العربية السعودية آلاف المواقع الأثرية سواء تلك الظاهرة على سطحها أو التي تخفيها في باطنها، وتم تناولها بكلمات الحبّ والمشاعر الفياضة، ومن تلك المواقع (رامة أو أبرق رامة) ويذكر معها أحياناً العقيق مع بعدها عن المدينة المنورة. ويقال لها رامتان وهما كثيبان رمليان متقاربان يقعان جنوب مدينة البدائع وجنوب شرق مدينة الرس وتوجد بعض المواقع الأثرية في رامة وذكر الشعراء رامة كثيراً؛ لأنها تذكرهم بقرب المدينة المنورة.
وقد عثر في الموقع على مجموعة من النقوش التي استخدم في كتابتها الخط الثمودي، إضافة إلى مجموعة أخرى من الرسوم التي تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، أما بالنسبة إلى ما ينتشر على سطح الموقع من منشآت معمارية فالجزم بانتمائها إلى فترة ما قبل الإسلام يظل معلقاً إلى حين قيام حفريات علمية منظمة في الموقع.
وقد وردت رامة كثيراً في شعر الحب والشوق إلى المدينة المنورة ولعل كون رامة على طريق الحاج المؤدي إلى مكة المكرمة أو إلى المدينة المنورة تزيد المسافرين شوقاً عند رؤيتها، وتذكّر رامة بنسيم الصبا، والحمى، والعقيق:
صبا لنسيم الصبا إذ نفح
وأرّقهُ لمع برق لمح
واذكره عيشه بالحمى
وعهداً تقادم سرب سنح
فحن إلى السفح سفح العقيق
فسحّ له دمعه وانسفح
وكان كتوما لسر الهوى
ولكن جرى دمعه فافتضح
فدعه ينادى طلول الحمى
ويسأل رامه عمن نزح
وأكثر ما خلد رامة شعر الحب الذي قيل فيها:
ولما تلاقينا في سفح رامةٍ
وجدت بنان العامرية أحمرا
فقلتُ خضبتِ الكف بعد فراقنا
فقالت معاذ الله، ذلك ما جرى
ولكنني لما رأيتك راحلاً
بكيت دماً حتى بللْتُ به الثرى
فمسحتُ بأطراف البنان مدامعي
فصار خضاباً بالأكف كما ترى
وكم أثارت رامة وزرود المشاعر:
ألفيتها وللحدا تغريد
برامة ان ذكرت زرود
ولاح برق بثنيات الحمى
تشيمه للأعين الرعود
فمالت الأعناق منها طربا
كما يميل الناشد المنشود
هيهات يخفي ما به متيم
دموعه بوجده شهود
قال الشاعر في أبرق رامة:
وما شاقني برقٌ بأبرق رامةٍ
ولا نغمات من حمام مغرِّدِ
كما ذكرت رامة قديماً وربطت بحب الوطن حيث قال الشاعر:
وأبيتُ في سمرات رامةَ سامراً
وأظلُّ تحتَ ظِلالِها المتداني
هيهَاتَ ذاكَ زمانُ أُنْسٍ عزَّ أَنْ
أنْسَاهُ أوْ ألقَاهُ أوْ يلْقَاني
وقد زرت موقع رامة قبل ثلاثة عقود تقريباً أثناء الربيع وكان الموقع جميلاً جداً كأنه بساط أخضر، لكن سمعت لاحقاً بأنه أصبح موقعاً للنفايات فإن كان ذلك صحيحاً نأمل من الجهات ذات العلاقة أن تهتم بـ(رامة) التي خلدها الشعراء وقُرن اسمها بالحبّ، وقد أطلق عميد الأدب العربي د. طه حسين على داره اسم (رامة) لمعرفته أهميتها الأدبية.