رمضان جريدي العنزي
الدين المعاملة عبارة جميلة، ومعيار راقٍ، ومثل حسن، له وجوه متعددة، وأشكال متنوعة، كالتعامل مع الأهل، والناس، وفي حال السفر والإقامة، وفي البيع والشراء، وأجمل مكونات هذه العبارة حسن الظن بالناس، وترك سوء الظن بهم، لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها سوى الله تعالى. إن الشتائم وانتقاص الآخرين والهمز واللمز ومحاكمة النيات وتحريف الكلام والتخوين والإقصاء كل هذا يعتبر من سوء الظن المخالف لحسنه. إن التعامل مع الناس بالأخلاق الحميدة والسلوك الراقي، كاليسر والصفح والسماحة وطلاقة الوجه والابتسامة، له فوائد جمة تنعكس إيجاباً في العلاقات الاجتماعية، وتصنع مجتمعاً محبوباً ودوداً. قال تعالى في محكم تنزيله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}. والنّاس في مختلف مجتمعاتهم لا يستغني بعضهم عن بعض، ولا يترك بعضهم التّعامل مع بعض للاستغناء. وكل فرد في المجتمع، في القرية أو المدينة، في البادية أو في الريف، التاجر والفقير، العالم والجاهل وغيرهم، كلهم في حاجة للتعامل والارتباط مع النوع الآخر، رجالاً كانوا أو نساء، طلاباً كانوا أو معلمين، دعاة ومدعوين، كلهم ينطبق عليهم قول الشّاعر:
النّاس للنّاس من بدوٍ وحاضرة
بعض لبعض، وإن لم يشعروا خدم
هذا التعامل لا يستقيم ويرتاح إليه الناس، في شؤونهم الخاصة والعامة، ما لم يقم على أسس من التفاهم، وحسن الأداء، والصدق والأمانة، ولطافة اللسان والثقة المتبادلة. إن المنازعات والمخاصمات الحاصلة بين الأفراد والجماعات سببها سوء المعاملات، وسوء التصرفات. فلو أحسن الإنسان معاملة أخيه، والابن معاملة والديه، والأب معاملة بنيه، والتاجر وغيره معاملة بعضهم بعضاً، لعاش الناس جميعاً في هناء وصفاء وطمأنينة، وزالت بينهم العداوة والشحناء، وساد النظام وتحقق. ولكن - مع الأسف الشديد - أصبحت بعض معاملة النّاس لبعضهم غشاً ونفاقاً وتدليساً، ولهذا تراخت المعاملات بعد أن تدهورت الأخلاق، وسادت النّزاعات والخلافات، وامتلأت المحاكم بالقضايا والدعاوى. ولا علاج لهذا الداء الدفين سوى باتباع أحكام الدين، والتمسك بحسن المعاملة بين طبقات النّاس على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ودرجاتهم. إن الأخلاق والسلوك من أرقى وأنبل التعاملات الإنسانية، ومن أهم مقومات النظم الحضارية. إن ديننا الإسلامي الحنيف حث على التعاملات الراقية والسلوكيات السامقة لذا وجب علينا كمسلمين أن نعيد إبراز فقه الأخلاق والمعاملات بكل صوره وأشكاله الحضارية الراقية، وعلينا أن ندرك أن لا تطور ولا تقدم ولا لحاق بالآخرين إلا بالمعاملة الحسنة النبيلة الصادقة مع عموم الناس، قريبهم وبعيدهم. وعلينا أن نتقي الله في أنفسنا، وأن نؤمن إيمانًا راسخًا بأن ديننا الإسلامي يأمرنا ويحثنا على حسن معاملة الناس والتحلي بالأخلاق الحميدة معهم، والعمل بالصدق والأمانة والتفاني والإخلاص، وأن نعامل الناس كما نحب أن يعاملونا.