د.شريف بن محمد الأتربي
في البداية وقبل الاسترسال فيما ورد في نص لقاء سمو سيدي ولي العهد يحفظه الله مع المذيع اللامع سلمان المديفر، أريد أن أقتبس كلمة وردت قبل نهاية اللقاء، حين سئل سموه مما يخاف، فكان الرد قويا: السعودي لا يخاف. «يا الله» ما أجملها من كلمة بثت في نفوس أبناء الوطن وشبابه الطمأنينة والراحة النفسية، وبثت في قلوب الذين يريدون بنا شرا الرعب والخوف. وكيف يخاف من كان قائده سلمان وولي عهده أبو سلمان.
وعودة إلى اللقاء الذي أطلق عليه حديث المشاعر، فأنا لم أستمع لحديث سمو سيدي ولي العهد مرة واحدة، بل مرات عدة - كنت أتمنى أن يطول ويطول اللقاء ولا ينتهي - ليس بحثا عن حقائق أو أرقام فهي كثيرة وظاهرة للعيان قبل الحديث وخلاله؛ ولكني كنت أبحث عن المشاعر المستفيضة في اللقاء فمنذ ولج سموه الكريم إلى جلسة الحوار وتراه يفيض مشاعر وأحاسيس لا تغيب عن لب وقلب أي إنسان بمعنى كلمة إنسان وليس من نوعية البشر الكثيرون الذين نراهم وقد تحجرت مشاعرهم. والبداية كانت في ترحيبه بالمحاور وثنائه عليه وهنا لاحظت كيف كانت ردة فعل عبدالله المديفر لقد لمعت عيناه وأحمرت وجنتاه وقال في نفسه يا ليتني أكتفي هنا فهذه شهادة ما بعدها شهادة فالأمير لا يجامل حتى مع نفسه.
لقد كانت بداية اللقاء ابتسامة ولي العهد التي تنم عن مدى سعادته بهذا اللقاء ثم اطراؤه على المحاور عبدالله المديفر بكلمات رفعت حاجز الرهبة وحساسية الموقف من نفسه وزادته ثقة في نفسه خاصة قول سموه: وأتشرف أن أكون معك وكانت ردة فعل المحاور التي ظهرت على وجهه الذي أضاء فرحا بهذا الإطراء من قبل ولي العهد.
وفي أول سؤال عن رؤية 2030 وأسبابها تجد ملامح ولي العهد قد تغيرت لتعبر عن الحمل الثقيل من المسؤوليات الذي يحمله منذ بداية حياته العملية وخاصة عقب تعيينه مستشارا لوالده في إمارة الرياض.
وفي سؤال عن أهم الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية كانت إجابة سموه: إنها تحديات لعل من أبرزها موضوع الإسكان حيث برزت مشاعره وإحساسه بالمواطن وكيف كان ينتظر أعواما عديدة حتى يحصل على مسكن ملائم له رغم توفر الميزانية لذلك فالسكن في حد ذاته هو أحد أهم متطلبات الحياة إضافة إلى المأكل والمشرب.
وأشار سموه إلى أحد أهم المشكلات التي كانت تعوق النمو الاقتصادي في المملكة ومنها استخراج السجل التجاري فقد ظهرت مدى سعادته بالتحول الرقمي الذي تم في هذا المجال حيث أصبح استخراج السجل يتم خلال نصف ساعة فقط وبطريقة إلكترونية بعد أن كان يحتاج إلى أكثر من أسبوعين لذلك. وفي حديثه عن ارتفاع مؤشر السوق السعودي من 4000 نقطة وتجاوزه 10.000 نقطة فقد كانت كمية التفاؤل والسعادة والرضا تظهر في تعبير وجهه واستخدامه لكفيه في التعبير عن ذلك وبقوة.
أما عن الثقة بالنفس فحدث ولا حرج وكانت بدايتها حين ذكر للمحاور أن الأرقام كثيرة جدا وسيستغرق عرضها وقتا طويلا، ولكن إذا أراد منه أن يستعرضها في أي قطاع فهو حاضر وجاهز بكل ما يراد السؤال عنه.
وعن كون مشروع الرؤية من أكبر المشاريع التحولية في العالم وهل تسير الرؤية بسرعة أكبر مما يجب؟ سارع سموه وبكل حماس مرتبط بالإجابة على السؤال أن هناك فرصاً أمامنا ويجب اقتناصها وعدم اقتناصها يعني التقاعس.
وعن ضمان تنفيذ مستهدفات الرؤية بدت السعادة على وجه سموه بأن كثيرًا من أرقام الرؤية التي كانت مستهدفة قد تحققت، بل كسرت هذه الأرقام وتم تعديلها حيث ارتفع سقف الطموح بعد تحقيق أكبر مما كان مخططاً له.
وعند تناول مركزية الدولة بدأ واضحًا عدم ارتياح سموه من عمل الوزارات كجزر منعزلة في الدولة وأنه بدأ منذ عام 2015 ومع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم التخطيط الجيد لمرافق الدولة؛ فلم تكن الاستراتيجيات والسياسات تصنع في مركز الدولة، وكان هناك ضعف في مركز الدولة في مجال التخطيط وتحديد الأدوار حتى يتم النجاح.
وعن اختيار الفريق الذي يعمل معه أبان أن القدرة والكفاءة يجب أن تتوافر لدى أعضاء هذا الفريق، ولكن الأهم الشغف بما يعني أن يكون المسؤول شغوفاً بالعمل وأن يكون جزءاً من حياته الشخصية.
وبدأت مشاعر الحماس والتفاؤل واضحة على ملامح الأمير محمد عند الحديث عن النمو النفطي وكيف يمكن أن تستفيد المملكة العربية السعودية من انخفاض الإنتاج لدى كل من روسيا وأمريكا خلال الأعوام المقبلة.
فارتفاع الطلب على النفط يضع على عاتق المملكة أن تعمل على سد الفجوة بين الطلب والإنتاج ناهيك عن الاستفادة من النفط الخام وتحويل 3.000.000 برميل إلى منتجات أخرى تسهم في الاستثمارات العامة للمملكة إلى جانب صناعات أخرى تقوم بها أرامكو.
وفي سؤال عن ضريبة القيمة المضافة ظهر واضحا أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع وليس المملكة فقط هي التي أسهمت في تحريك قيمة هذه الضريبة مع الوعد بعودتها إلى طبيعتها خلال السنوات الخمس المقبلة ومن أهم ما ذكره سموه أنه لكي نتفادى تخفيض الكثير من البدلات كان لا بد أن نرفع الضريبة إلى 15 في المائة.
وقال سموه إن آخر حاجة بالنسبة لي أن أؤلم أي مواطن سعودي، فمصلحتي أن يكون الوطن عزيزا وينمو وأن المواطن السعودي يكون راضيا اليوم أكثر من اليوم الذي قبله.
كم من المشاعر والعواطف ظهرت خلال الحديث في هذه النقطة توضح تماما إحساس قادتنا بالمواطن وحرصهم على توفير أفضل سبل العيش له.
وعند السؤال عن ضريبة الدخل كان رد سموه حاسما لن يكون هناك ضريبة على الدخل في المملكة العربية السعودية، وبذلك أغلق جميع الأبواب أمام أي جهة تنصب نفسها خبيرة في مجال الاقتصاد وتشير إلى أن المملكة تتجه لوضع ضريبة على الدخل.
ولعل من أهم ما رأيته في حديث سموه كان عن ارتفاع أسعار البنزين مع ارتفاع أسعار النفط وسؤال المحاور لسمو ولي العهد يحفظه الله كيف ذلك ونحن دولة غنية؟
فهنا ظهرت ابتسامة سمو ولي العهد وسأله ما المقصود بالدولة الغنية؟ وكان رد المحاور دولة نفطية مع ابتسامة ظاهرة من المحاور أيضا نقل نبض الشارع. وهنا إجابة سمو الأمير قائلا ليس معنى دولة نفطية أنها دولة غنية فالجزائر والعراق وليبيا دول نفطية، ولكنها ليست غنية؛ فالدول الغنية تقارن بين مقدراتها ومداخيلها المالية مع عدد سكانها.
وعند الحديث عن البيئة ذكر سموه أن المملكة فقدت 70 في المائة من غطائها النباتي خلال الأعوام الماضية وأن الرؤية تحاول تعويض ذلك وخاصة مع العواصف الرملية التي اجتاحت المملكة خلال الأعوام الماضية ومدى أثرها السلبي في صحة المواطن وانعكاس ذلك على القطاع الصحي. فالبيئة أحد أعمدة جودة الحياة والسياحة واستقطاب رؤوس الأموال.
وعن البطالة صرح سموه: ما ودي أن يكون هناك أي سعودي لا يملك وظيفة وأن الدولة تعمل على تخفيض البطالة ضمن رؤية 2030 حتى 7 في المائة وأيضا الوصول إلى نسبة 4 في المائة وهي النسبة العالمية.
وعن التعليم ذكر سموه أنه يتم العمل على تقليل حجم المعلومات التي يتلقاها الطالب بحيث يتم الاكتفاء بالمعلومات الأساسية- خاصة مع تيسر سبل الحصول على المعلومات للطلاب- مع التركيز على المهارات بصورة أكبر. كما أكد سموه أن الدولة تطمح أن يكون هناك جامعة سعودية واحدة من أفضل 10 جامعات عالمية، مع تأكيده على جودة التعليم في المملكة.
وعن التحول نحو تقديم الخدمات الصحية بمقابل مالي؛ كان رد سموه سريعا وواضحا وبنبرة شديدة تستشعر منها أهمية هذا الموضوع عند سمو ولي العهد، فذكر سموه أن نظام الحكم في المملكة نص على تقديم الخدمات الصحية للمواطن مجانا، ولا مساس بهذا أبدا ، سواء في الصحة أو التعليم.
وعن الاهتمام بالرياض وزيادة النمو السكاني حتى 20 مليون نسمة، أشار سموه، إلى أن الرياض تم التخطيط لها بشكل جيد في عهد الملك سلمان عندما كان اميرا للرياض، وأن الاقتصاد يرتبط بالمدينة، وأن الرياض يتوافر بها كل مقومات المدن المحفزة للاقتصاد.
وعند السؤال عن باقي المدن، وهل سيتم الاهتمام بها كما الرياض، أشار سموه إلى أن المملكة العربية السعودية كلها وطن واحد، وأن الاهتمام بالمدن كلها يسير بوتيرة واحدة، وترتبط بالفرص الاستثمارية، ولا يوجد تنمية عشوائية.
وعن السؤال عن الاعتدال، أشار إلى أن العلماء على مدار أكثر من 1000 سنة يحاولون - وما زالوا - والإجابة عن هذا السؤال، وشرح معنى الاعتدال.
ومن جانب الثقة في النفس وإعطاء كل ذي حق حقه، وارتباطا بتعاليم القرآن الكريم {...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} الآية. وأكمل سموه حديثه في هذا الجانب مشيرًا إلى أنه ليس في موقع يشرح من خلاله مفهوم الاعتدال، ولكنه يلتزم بدستور المملكة العربية السعودية القائم على القرآن والسنة.
وبنبرة شديدة وواضحة وظاهرة للعيان كان رد سموه عن العقوبات في الجرائم، فقال: لا يجب أن تطرح عقوبة شرعية بدون نص قرآني واضح، أو نص صريح من السنة المتواترة مع النظر للأحاديث الأخرى.
واستكمالا للحوار في هذه النقطة المتعلقة بالاعتدال والعقوبات، أشار سموه إلى أننا لسنا ملتزمين بمدرسة أو نهج معين في الدين ولسنا مؤلهين للبشر ومرجعنا هو القرآن والسنة. وقوانيننا في المملكة العربية السعودية لا تخالف القرآن والسنة، وتحافظ على مصالحنا، وأمن ومصالح المواطن وتساعد على تنمية وازدهار الوطن.
وعن الانفتاح على العالم والخوف والقلق على الهوية الوطنية، أشار سموه إلى الثوب الذي يلبسه وكذلك المحاور، وأنها جزء من هويتنا، كما أكد وبشدة ووضوح ظاهر في كلماته المنتقاة بعناية، أن هويتنا إذا كانت ضعيفة يجب الاستغناء عنها، وإذا كانت هويتنا قوية؛ فيمكن تطويرها وتنميتها، وترتفع نبرة صوت سموه مؤكدًا أن هويتنا قوية للغاية ونفتخر فيها، وهي جزء رئيس من الحراك الذي يتم في المملكة، وهويتنا مبنية على الهوية الإسلامية العربية، وإرثنا الثقافي والتاريخي.
وعن التطرف، كانت كلمات سموه حاسمة وقوية، موجها كلماته لكل من أراد بالمملكة شراً من خلال التأثير على أفكار وتوجهات شبابنا، فقال: التطرف هو عدو نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر بقتل المتطرفين، والمملكة مستهدفة بالتطرف لأنها قبلة المسلمين.
وبكل ثقة يجيب سموه عن السؤال المتعلق بفلسفته في السياسة الخارجية، حيث أشار سموه بكلمات ممزوجة بين اللين والشدة، إلى أن هذه السياسة مبنية على مصلحة المملكة العربية السعودية. كلمة موجزة أبلغ من مئات الكلمات والأحاديث والشواهد.
وعن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أشار سموه بكل لباقة ودبلوماسية كأنه يخاطب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذه الكلمات: لا يوجد تطابق بين الدول في كل شيء ولا بد من وجود اختلاف أو هامش اختلاف في وجهات النظر، وأكثر من 90 في المائة من المصالح متفق عليها ما بين المملكة العربية السعودية وإدارة الرئيس الأمريكي بايدن- لم يستخدم الأمير كلمة بيننا، بل أشار إلى المملكة، إلى الكيان - كما أشار وبكل حزم أن المملكة العربية السعودية لا تقبل أي ضغط أو تدخل في شأنها الداخلي.
وعن العلاقة مع إيران؛ أشار سموه وقد ارتسم على محياه صورة تعكس أمرين، الأمر الأول الرغبة في العيش بسلام مع الجيران، والثاني أننا ورغم رغبتنا في السلام إلا أننا قادرون على حماية وطننا وأمننا وأراضينا من أي عدو مهما صورت له نفسه من قوة. وكان تعليق سموه على هذه العلاقة، أن المشكلة مع إيران تختص فيما تقوم به من أعمال سلبية، سواء في المجال النووي، أو دعم الجماعات المتطرفة، وفي نفس الوقت نتمنى لها التقدم والرقي، فلنا ولهم مصالح مشتركة.
وعن اليمن، فقد تمنى سموه أن تحل مشكلة اليمن بالحوار بين جميع الأطراف، بحيث تعود اليمن كما كانت (اليمن السعيد).
ومن أحلى وأجمل التعليقات التي ذكرها سموه ردًا على سؤال ماذا بعد 2030، كان رده تلقائيا وممتزج بابتسامة جميلة قائلا: 2040. وشدد على أن أعظم ما تملكه المملكة هو المواطن السعودي.
لقد كان اللقاء شيقًا متسمًا بالوضوح والصراحة، قام من خلاله سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بمخاطبة الشعب السعودي، والوطن العربي، بل والعالم أجمع بما يدور في فكره كقائد دولة نحو وطنه ومنطقته والعالم، مجيبا عن أسئلة محاوره بكل ثقة ولباقة واسترسال، أظهرهما استخدامه لكفيه في الحديث منفتحين باتجاه الأعلى، وذلك كما يفسره المختصون في لغة الجسد.