إبراهيم بن جلال فضلون
تمر الشهور بصخبها المُعتاد، وتقتلنا طقوسها الحياتية بشرورها -التي نحمد الله عليها-، حتى أثناء طقوس تعبدنا التي يمُر بعضُنا عليها مرور الكرام؛ وما بين افتقاد الحماس للروحانيات وبين انفطار العزيمة للجو الوبائي الاستثنائي المُقيد لاحتياجاتنا تفرضُ علينا تدابير واحترازات هي الهدف لصون سلالتنا البشرية، ومع مجيء شهر رمضان ضيفاً كل عام نرتاح به ومعه؛ مُجددين آمالنا فيه؛ وقوة تحملنا -عسانا نكون من أولي العزم – ومع جلب الخير بعيد الفطر مُجدداً معه بعض الهموم والأحزان على الجانب الأسري أو جانب الأمّة، في ظل ظروف استثنائية رحل فيها أحباب وأهل رحم وخلان، لتحل الدمعة مكان البسمة! وتلاحقنا في كل ركن بمعادلة صعبة، وإن كانت مُمكنة، طرفاها البشري ووباء عاص يشغل العقل والقلب بمتحوراته..
ولننتبه بعيدنا المختلف.. ومن وصايا حكومتنا الرشيدة عندما يجتمع شمل الأسرة، لنسعد بالقرب بعد البُعد، ونهنأ بالحب، ونستدفئ بالعائلة.. ولحظاتها الطيبة، دونما أن ننسى ما يُحيط بنا من الواقع الأليم الذي تمور به أمتنا، ويشعر به الكثيرون، حينما ينظرون حولهم بالحيرة والأسى. وعلى الرغم من ربط العيد بأداء الواجب -وهو معنى سامٍ- نهانا الله في القرآن الكريم عن لون من الفرح يشير إلى التكبر والأنانية والاستعلاء على خلق الله والإضرار بالآخرين وكأنه وسيلة لقطع الصلة بأدميته، كما في حالة قارون {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (القصص: 76)؛ لأن الأعياد في الإسلام لم تُشرع من أجل مجرّد الفرح، وإنما شُرعت لكي تستكمل حلقة البر في المجتمع الإسلامي، ليُصبح البر قضية اجتماعية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم مطالبًا الأغنياء بألاّ يتركوا الفقراء لفقرهم: «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم»، هذا فيما يخص زكاة الفطر.. وإلا تصبح الصلاة والصيام وغيرها من الشعائر عبادات جوفاء لا تؤدي المعنى الاجتماعي التي من أجله فُرِضت.
والعيد فرصة نفسية كبيرة ومدخل اجتماعي عظيم لكسر ما سببته شواغل الحياة وكورونا عن القيام بواجب صلة الأرحام والتواصل مع أولي القربى؛ فقد مر زمن كريم بل رمضانان كانت زيارة الأهل والأقارب شيئًا شبه مُقدس، وقد صار محتماً الحفاظ عليها لكن بالتباعد والتواصل الإليكتروني، حفاظاً على من نًحب أن نراهم بجوارنا سالمين آمنين، لنسعَدَ فيه ونُسعِدَ الآخرين، وحتى لا نصيح ندماً (مَن أواسِي ومَن أغيث، ومَن أتداعَى من أجله وأدعو له)، فلن يختلف علينا شيء في عيدنا الوشيك هذا، ولن يحول كوفيد من لهيب الدفء الأسري، لكنه قد يُنظمها أكثر باحترازات تسابقت عليها الأمم، ولكل زمان مخترعاته وإفرازاته التقنية، التي تنعكس سلبًا وإيجابًا على سلوكياتنا وتعاملاتنا، وإفراز قيم اجتماعية جديدة؛ اختزلت قيم الأشياء، وبدّلت ما كان مقدسًا، وعلينا أن نُجاريها وإلا كُنا المتخلفين الأغبياء، فمن «تليفون العمدة» الذي لم يكن موجودًا إلا في بيتنا الكبير فقط، إلى المحمول وحداثة الاتصالات وتقنياتها غير المرئية، التي قربت صلات الرحم، ووفرت الجهد البدنيّ والماديّ، لكن الفرحة النفسية الكُبرى للزائر والمزور هي اللقاء، لكن كتب الله وقدر أحكام علينا أن نتدبرها بعقولنا في ظل وباء فتاك يتمحور وفق طرائق الإنسان ونظام حياته، ولنتذكر في هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير، وما تطول به علينا من فضل، فلئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحًا، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعمًا، لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34).
لتكون العودة بأيام العيد -مرة أخرى- عوداً حميداً إلى أيام الزمن الجميل، ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، وفأل ينتج إنجازًا، فحاول أن تخلع على نفسك ومجتمعك قميص الفرحة، وألبس مسوح الفرح، وأهدهم سلامة رمزية ولو بكلمة طيبة حانية، فللعيد فرحة، لا تقتلوها!