د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
عملت الدول والمنظمات والجماعات والأفراد، على تعميق التواصل بين بني البشر، أملاً في بناء حياة قوامها الاحترام والحوار والتسامح ،حياة تفسح المجال للآخر، وتزيد من وتيرة التواصل، وتطوير العلاقات وتوطيدها.
وتتمثل علاقة المسلمين بالآخر في قول الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (8) - (9) سورة الممتحنة.
ومن هذا المنطلق، كان لا بد من «التحاور» مع الآخر، بغرض التآلف والتآزر. ولذلك، نجد في كتاب الله وسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن كلمة الحوار قد وردت في القرآن الكريم وفي قصص الحوار فيه، كما وردت في الحديث الشريف، وهو ما يدل على مكانة الحوار في الإسلام، تأكيداً لما يمثله من إعلاء لقيمة العقل، وأهمية الفكر، واستهدافاً للحق.
وعند الحديث عن علاقة المسلمين بالآخر، وعن العلاقة بالغرب على وجه الخصوص، نجد أن الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا» الذي يعيشه الغرب اليوم، لا يعكس حالة الخوف من الإسلام والمسلم فقط، ولكنه تجاوز ذلك إلى رعب وهلع، أدى إلى أن أصبحت ثقافة الإسلام في نظر الغرب، تمثل ثقافة الموت والانتحار وإراقة الدماء.
ووفقاً لـ «لوسيان بيترلان، رئيس جمعية الصداقة الفرنسية - العربية» فإن شعور الأوروبيين يبدو أشبه بحال من يترقب لحظة وقوعه في الأسر الإسلامي. وحسب «بيترلان» أيضاً، فإن أغلب الساسة ورجال الفكر والإعلام في أوروبا، يتعاملون مع الإسلام على أنه ظاهرة تتعارض مع مبادئهم، وتهدد ثقافاتهم.
وقد أدى الخوف من الإسلام، إلى التحريض وإثارة الأحقاد والإهانات، وانتهاك الحرمات، وتدنيس المقدسات. ويأتي من بين أهم هذه الإساءات، التطاول على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، وهو تطاول يشار إليه بأنه يمثل «حرية الرأي» و»حرية التعبير».
وفي هذا الصدد، نشير إلى ما جاء على لسان الملك سلمان - سلمه الله - في حديثه الهاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي أكد فيه على «إدانة المملكة للعمليات الإرهابية التي تم ارتكابها في فرنسا والنمسا، وأن موقف المملكة يدين بقوة الرسوم المسيئة للنبي محمد» ومؤكداً على «أن حرية التعبير يجب أن تكون قيمة أخلاقية تنشر الاحترام والتعايش بين الشعوب، لا أداة لإشاعة الكراهية والصدام الثقافي والحضاري».
ويرى الكاتب أن تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الصحافة الغربية قد تجاوز الحدود الإنسانية والأخلاقية والمهنية، عندما أقدمت صحيفة دنماركية على نشر رسم كاريكاتوري يسخر من شخص رسول السلام - صلى الله عليه وسلم - ، وتبعها في نشر تلك الصور صحف هولندية ونرويجية وفرنسية وإسبانية. والأكثر إساءة، إعادة نشر الصور نفسها في العاصمة الفرنسية، وتبع ذلك عرضها من قبل أحد المدرسين لطلابه في حديثه لطلابه حول حرية الرأي، وهو العمل الذي تم تبريره مجدداً، بأنه عمل يأتي تحت مظلة حرية الرأي وحرية التعبير. وعندما جاءت الجريمة التي تمخضت عن تلك الإساءة، ربط الإسلام مرة أخرى بالإرهاب.
ويذكرني هذا بمقولة جاءت على لسان «البابا يوحنا بولس الثاني» الذي قال إنه «لا يوجد دين إرهابي ولكنه يوجد إرهابيون في كل دين»، وهو ما يؤكد أن الإرهاب ليس حصراً على المسلمين، ولا سمة من سمات سلوكهم، ولا صفة من صفات فكرهم، وانه ليس للإرهاب خصوصية تصله بالإسلام، لا من قريب ولا من بعيد، رغم أن واقع الحال يدل، وللأسف الشديد، على أن بعض أهل الإسلام «ليسوا براء» من الإرهاب. فالأعمال التي تقوم بها بعض الجماعات الإرهابية من المسلمين، هي التي «زادت من الربط بين الإرهاب والإسلام» في أذهان الملايين.
ولقد نتج عن ربط الإسلام بالإرهاب نزعة عداء للغرب، وأخذت العمليات الإرهابية صورة الغلو في المعاداة. وفي هذا يؤكد الكاتب حقيقة، أن الغرب ليس منصفاً كله، وأنه في الوقت نفسه، ليس ظالماً كله، وهو ما يتطلب منا، نحن المسلمين، أن نتحرى العدل في أحكامنا، والضبط لمشاعرنا.
ويؤكد الكاتب أيضاً، حقيقة أن هناك من المواقف والسياسات ما يجعلنا نشعر بعداء للغرب، لكونها سياسات «لا تتسم» بالعدالة والإنصاف، ولكن «الحكمة» تشير إلى أن الطريق «الأوفق» في التعامل، لا يتمثل في العداء بل ببذل الجهد في إزالة التوترات، واحتواء الأزمات، وإن ما نحتاج إليه هو العمل المؤثر والدؤوب، الذي يساعد على إزالة نزعة العداء، ليدرك الغرب أنه يتوجب عليه التعامل مع الإسلام والمسلمين، بنزاهة وعدالة وإنصاف.
وفيما يخص الإساءات والرد عليها، يؤكد الكاتب أن الرد على الإساءات لن يتحقق، ما لم تؤسس الهيئات الإسلامية ذات العلاقة المباشرة «لاستراتيجية رد شاملة ومستدامة». وقد بذل الكاتب جهداً في البحث في موضوع كيفية الرد على الإساءات، ويأتي التالي من خلال تلك القراءات المكثفة عن واقع الإساءات وكيفية الرد عليها، دوَّنها عدد من ذوي الاختصاص والاهتمام، وتمكن الكاتب من أي يخرج بما يمكن أن يوصف «بالاستراتيجية» المناسبة للرد على الإساءات.
فالمسلمون في أمس الحاجة إلى استراتيجية للرد على الإساءات:
- ترجمة كل ما يتعلق بالإسلام ديناً وحضارة وفكراً.
- توظيف وسائل الاتصال والإعلام الجديد.
- استراتيجية تتجاوز الرد الآني والتلقائي إلى الرد المستدام.
- الاستناد إلى القوانين التي تجرم الإساءة إلى المعتقدات.
- استراتيجية تركز في عملها على أدوات التعبير السلمية.
- مقاطعة الجهات ذات الصلة بنشر الأعمال المسيئة للإسلام.
- استراتيجية تلتزم في الرد بالحجة والبرهان والنصوص الشرعية.
- أن يكون الرد بعيد كل البعد عن اللجوء للعدوان والتخريب.
- رد لا يتعرض للمعاهدين والمستأمنين والدبلوماسيين، ولا يسلب الأعراض بأي حال من الأحوال.
نعم، نحتاج إلى تبني استراتيجية رد تتماشى من قوله تعالى (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (190) سورة البقرة، وقوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أو يُصَلَّبُواْ أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ). وقوله تعالى: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهلينَ) صدق الله العظيم.
استراتيجية رد تتماشى مع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً»، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرد على هجاء شعراء قريش «أميتوا الباطل بالسكوت عنه» كما جاء على لسان الفاروق رضي الله عنه.
ولا شك أن القارئ الكريم يتفق مع الكاتب، في أنه لا ينبغي أن تستمر حملات تشويه صورة الإسلام بهذا الشكل، وأن الدعوة إلى مواجهة الحملات المشبوهة، لم تعد مطلوبة لإزالة التوتر والقضاء على حالة الاحتقان ولمنع الصدام فقط، بل باتت دعوة «لإنصاف الإسلام من بعض أبنائه أيضاً»، ولإبراز وجه الإسلام الحقيقي، وصورته التي طمستها ممارسات الإرهابيين، وهو أمر يستدعي جهود كبيرة، وعلى مستويات عدة، وفي مجالات كثيرة، ومن المؤسسات الإسلامية التي يأتي على رأسها كل من رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي، اللتين تقومان بخدمات جليلة، ويتربع على أمانتهما شخصيتان سعوديتان، تمثلان قيادتين إسلاميتين بارزتين، هما معالي فضيلة الشيخ الدكتور محمد العيسى، ومعالي الدكتور يوسف العثيمين، وفقهما الله في تحقيق ما يصبون إليه، خدمة للإسلام والمسلمين.
ويرى الكاتب أن عالمنا الإسلامي مطالب بخطاب رسمي مدني جديد موجه للغرب، يؤكد من خلاله أن الإساءات للإسلام صادرة عن جهل ومجافية للحقيقة، وبأحكام حافلة بالتعصب، خطاب يبرز حقيقة أن التطاول على المعتقدات والمقدسات، والتعدي على المقام النبوي الشريف، ينطوي على انتهاك سافر للقيم والمبادئ والأخلاقيات.
وبقي أن نقول، إنه من «حق» كل مسلم وفي أي مكان كان، التعبير عن استيائه من الإساءة للإسلام ومقدساته ورموزه، وانه من «الحق عليه» في الوقت نفسه، أن يندد بالأعمال الإرهابية التي يقوم بها بعض المسلمين رداً على الإساءة، كتلك الأعمال التي حدثت في فرنسا والنمسا منذ أشهر، والتي كان آخرها حادث طعن شرطية فرنسية في مركز شرطة بلدة رامبوييه غربي باريس، في العاشر من شهر رمضان الجاري.
ونختم بالقول، إن مشيئة الخالق تبارك وتعالى، قد قضت بأن يقترن الخلق بالاختلاف والتنوع، فقد جعل الخالق - جلت قدرته - من البشر «شعوباً وقبائل» مختلفين، ليعرف أحدهم الآخر، فقد قال تعالى في محكم كتابه: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) صدق الله العظيم.