عطية محمد عطية عقيلان
مع توجه العالم إلى الاقتصاد غير النقدي من خلال توفير خدمات الدفع الإلكترونية عبر شركات الخدمات من اتصالات وبنوك وغيرهما، أصبحت الحاجة لحمل النقود يقل مع تطور وانتشار هذه الوسائل التقنية، فالآن من خلال هاتفك المحمول أو ساعتك الذكية، يتم الدفع والتسوق بعيدا عن حمل النقود، وكان وجودها في جيبك يسهل للمتسول طلب المال بإلحاح لتخجيلك وتحصيل ما أمكن حتى ولو من فئات الريال، وأثرت هذه الوسائل في الدفع على طلب المتسول بعدم قدرته على إحراج المارة، فأصبحوا ينتظرون الزبائن عند صرافات البنوك لاقتناص توفر النقد والسؤال «والشحاذة»، وانتقلت حمى التسول والسؤال إلى منصات التواصل الاجتماعي فيكاد لا يخلو خبر أو ترند أو موقع إلا وبه رسائل طلب تسديد فواتير مستحقة من كهرباء أو ماء أو هاتف أو دين، ومن كثرة «المتسولين الجدد» أصبح التعاطف معهم أو الاهتمام بهم ضعيفاً (من ملاحظات شخصية لاستمرار نفس الفواتير بطلب السداد لعدة أسابيع).
ومن الأشياء الطريفة قيام بعض الشركات الصينية بمواكبة هذا التطور والابتكار بدعم «المتسولين الجدد» عبر الهواتف الذكية من خلال تزويدهم برموز الاستجابة السريعة QR CODES والتي تمكن أي شخص يستخدم أي تطبيقات الدفع الإلكتروني، بأن يمسح الرمز ويقوم بالتبرع المالي وهذا سهل إقناع المارة بالتبرع لهذا المتسول العصري، طبعا هذا يذكرنا ببعض القصص التي واجهناها أو سمعنا عنها عندما كان يعرض عليك المتسول الصرف عندما تتعذر بعدم وجود مبالغ صغيرة، وهذا ما دعا البريطاني داميان بريستون لابتكار طريقة تسول في عام 2016 حيث كان يقبل المال عبر بطاقات الائتمان والتي حقق منها دخلاً عالياً مكنته من قضاء إجازات في أفضل الأماكن السياحية حول العالم ولقب وقتها «سوبرترامب» وكان يرد على منتقديه على أفعاله ويقول أنا فقط أكسب لقمة العيش، ولكن قصص المتسولين وردات الفعل في تراثنا العربي اتسمت بالفكاهة وسرعة البديهة ومن هذه القصص الطريفة ما رواه الجاحظ بأن سائلا وقف بقوم وقال لهم أنا جائع، فقالوا له كذبت، فقال جربوني برطلين من الخبز وبرطلين من اللحم، ووقف سائل على باب، فقالوا يفتح الله عليك، فقال كسرة، فقالوا: ما نقدر عليها، قال: فقليل من بر أو فول أو شعير، قالوا: لا نقدر عليه، قال: فقطعة دهن أو قليل زيت أو لبن. قالوا: لا نجده، قال: فشربة ماء، قالوا: وليس عندنا ماء، قال: فما جلوسكم ها هنا قوموا فاسألوا، فأنتم أحق مني بالسؤال.
وقصص المتسولين وطرق احتيالهم وتلونهم لتحصيل المال بأي طريقة، تستحضر لنا فئة ثابتة على مبادئها ولا تتبدل ولا تتغير مع الزمن ولا تؤثر فيهم التكنولوجيا وتطورها وهي العزيزة النفس المتعففة عن السؤال رغم فقرها وحاجاته، تتطلب منا في هذه الأيام الفضيلة ببذل الجهد والبحث عنهم بين الأقارب والجيران والأصدقاء والزملاء ووصلهم وتقديم يد المساعدة والعون لهم، ولنتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة فاستعف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت.