عبده الأسمري
عندما يتبادر إلى أذهاننا ويسمو إلى مخيلتنا مفهوم «الإعلام» نقف أمام «الإثراء» كشرط رئيسي و»الأداء» كعامل أساسي ترتبطان بالمحتوى وتترابطان مع المستوى وتقرنان بالنتائج وتقترنان بالمنتجات.
طوال سنوات طويلة مر «الإعلام الفضائي» تحديداً بجملة من التغيرات ومجموعة من المتغيرات جعلته في سباق محموم مع تغير «فكر» المشاهد وتبدل «تفكير» المتلقي.. وظل «التطوير» اهتماماً أول ترتبت عليه «هموماً» أخرى في ظل احتياطات وتطورات وتغييرات وصلت إلى حد «التخبطات» التي جعلت كل شرائح المجتمع في مستوى «النقد» على المكشوف وسط إحباطات وسقطات نالت من إدارات التخطيط وفرق العمل ونتائج البرامج.
برامج صباحية وتقارير مراسلين باهتة مكررة تعتمد على ما يضخه الإعلام المكتوب من خبطات وحتى لخبطات ليتم تسمينه من خلال أسئلة خجولة لفئة المادة وتكبير المنتج من «خلطة» معروفة قوامها من أين جاءت لك الفكرة وما طموحك؟!!.. وفي ركن قصي من الأستوديو الذي سرق «الضحك» المستورد من قنوات سابقة يقف شيف أو شيفان من أحد الجنسين ليطبخ وجبته التي تتكرر منذ عشرات الأعوام ولا أعلم ما شأن المشاهد بها وتكتمل الحبكة «البائسة» بأرعن يعزف موسيقاه بلغة أجنبية أو مستوردة أو بدائية وسط استضافة باهتة لعابرين على خطوط «الوساطة» في لقاء عن موضوع غالباً ما يكون «سخيف» أو «مخيف»..
وفي أحايين قليلة قد تتوارد المهنية على استحياء في تقرير «منفرد» أو تسليط الضوء على مخترع «فريد» ولكن في هذه الأجواء يتسلط «سيف» الوقت فتكون الفائدة لدقائق معدودات والسخافة لساعات ممدودات..
وحينما يأتي التطوير الذي تضحك به بعض القنوات على المشاهدين تحل مرحلة بئيسة من التراجع الذي يحسبه «الساذج» تقدماً حيث رأينا استدعاء بعض المهرجين في اليوتيوب وفي السناب وفي الانستغرام ليتولوا تقديم برامج خاوية على فقراتها فثقافة «الأعداد» واهية ولباقة «التقديم» غائبة وسط سقطات متكررة في إدارة البرنامج..
منذ زمن والإعلام الفضائي حائر بين برامج المسابقات والحوارات واللقاءات وسائر وسط سوءات «السخافة» و»البهرجة» و»السماجة» في حين يغلب التكرار على السواد الأعظم منها ففي الحوارات تتكرر الشخصيات وتعاد الأسئلة المبرمجة مع الضيف مسبقاً وفئة المحاورين بثقافة هشة لا تتجاوز الضحك وترديد محاور مكتوبة ومعدة وجاهزة في ظل غياب واضح لحس المقدم وإحساس المحاور في التقاط أسئلة مبتكرة من إجابات حاضرة.
وفي نشرات الأخبار يعاد الضيف أكثر من مرة وكأنه في عقد مع القناة فنرى ضيوف مللنا من سماع أسطواناتهم المكررة وسئمنا من تعليقاتهم المعادة وسط تغييب لمتخصصين ولا غرابة في أن نرى تربوياً يعلق على قضايا سياسية أو نشاهد وافداً يتداخل في أمور محلية أو عسكرياً يضع الحلول في ظواهر اجتماعية حينها يتجلى خلل «التخصص» ويظهر عامل «الخطأ» فالمواد المنتجة إعلامياً تحتاج إلى جودة في الطرح وإجادة في الشرح وتجويد في الإنتاج..
أما برامج الرياضة فباتت شبيهة بجلسات «المقاهي الشعبية» فرائحة التعصب تفوح من استوديوهاتها المشبوهة بالأجندات الجماهيرية والكل بات «ناقداً» والجميع أصبح «منتقداً» وكل ما في الأمر أن يطرح المذيع «موضوعاً» أو «قضية» وترى المعارك الكلامية والفوضى الشعبوية تملأ الفضاء وكأننا في جلسة تصفية حسابات أو مدرسة لتعليم الهجاء..!!
هنالك برامج لها متابعين وفيها نوع من المهنية وأن ندرت ولكنها تحتاج إلى تطوير فالمتلقي يعيش تحت سطوة التغير الذي يرغب في رؤيته واقعاً أمام الشاشة في حين أن الفضائيات تواصل الروتين المقيت في برامج ثابتة أو التحسين الميت في أخرى جديدة..
نعيش مرحلة من «العوز الإعلامي» في البرامج الفضائية والتي تظهر في سمائها وأفقها مواد غثائية لم تعد نافعة ولا شافعة ولا ناجعة وسط تطور متزايد في عالم الإعلام وحركة دؤوبة في آفاق التقنية ويبقى الخلل واضحاً بكل تجلياته في المادة المنتجة وفي أداء المعدين والمقدمين لذا فإن الحلول تبقى في انتفاضة هذه القنوات عاجلاً للبحث ومراجعة حساباتها في كفاءة وسيرة وخبرة المعد أو المذيع من جهة وفي الاستعانة بأصحاب الخبرات وإعطاءهم صلاحيات المكانة والتمكن والتمكين حتى يتم انتشال بعض الفضائيات من قبو «التخلف» إلى سطح «التطور» وإخراجها من عنابر «التراجع» إلى بر «التطوير» والاستناد إلى العطاء والاعتداد بالمنتج بعيداً عن المجاملات والمحسوبيات والوساطات.