الهادي التليلي
عندما تم إطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سألت نفسي: هل لنا فعلاً مجتمع مدني من منظمات وجمعيات ونوادٍ بيئية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي قادرة على تفعيل ثقافة الشرق الأوسط الأخضر في المجتمع وتحويل المواطن من متقبل ومستفيد من التغير البيئي الإيجابي الجديد إلى مساهم ومشارك فيه؟ هل لنا من الحس المدني ما يكفي لإضفاء رجع صدى إيجابي لهذه المبادرة الثورية التي تعيد الاعتبار للإنسان في زمن يسود فيه التنافس النووي والصناعات الكربونية وتزايد ظاهرة الاحتباس الحراري وثورات الطبيعة الناتجة عن كل هذا من ذوبان المحيطات وغرق جزر وتغير الخارطة الإيكولوجية للعالم. هل يمكن لهذا المشروع الذي هو ثقافة مجتمعية في أساسه أن يكون محور معركة مجتمعية وحضارية في عقول النشطاء البيئيين في عالمنا العربي. هل فعلاً الكاتب والمثقف العربي الذي يرنو إلى مستقبل أجمل ويتغنى بلحظة رومنسية في الأدب يقول إنها رحلت مع لامرتين وبودلار وحتى بول فرلان في بعض قصائده، هل هناك وعي مجتمعي في جحم هذه الخظوة التاريخية؟
الدول ستزرع ملايين الأشجار من سيرعاها، وبدلاً من أن يفكر في كسر جذورها يسقيها، إنه المواطن وكيف يكون ذلك إذا لم يتأسس الوعي المجتمعي الكفيل بخلق علاقة حب بين الإنسان ومحيطه. فالجمعيات والمنظمات التي تنتشر هنا وهناك والتي تشتغل على ملفات تستحق الإشادة، والجمعيات التي منذ تأسست وحاز أعضاؤها مناصب فيها ارتكنوا إلى الوسادة، هؤلاء وغيرهم ستسألهم الأجيال القادمة وسيسألهم التاريخ أين أنتم من تلك المبادرة.. هنا يحضرني رد أحد الكتاب الفرنسيين من أصول إفريقية تعرض لتنمر عنصري ووصفه أحد المتعصبين بالقرد، فرد عليه: أقبل أن أكون قردًا ولكن أين الأشجار.. سيصبح البساط الأخضر حلمًا بعيد المنال إذا اعتمد الجميع على خطة الاتكال وعدم الانخراط الطوعي في الجهود التي من شأنها أن تسهم في خلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
منظمة غرين بيس green peace والتي تعد الأكثر شراسة في مجالات البيئة إلى حد التطرف وتعود نشأتها إلى مطلع السبعينات وفي الحقيقة الجذور المساهمة في التأسيس أبعد وأعمق هذه المنظمة ذات 2.9 مليون منخرط داعم والمنتشرة في كل أنحاء العالم والتي واجهت فرنسا إبان تجاربها النووية في نيوزيلندا بسفينتها قوس قزح وكان أن حدث انفجار أودى بحياة مصور المنظمة وأعطى لها بعدًا نضاليًا منقطع النظير نتج عنه استقالة وزير الدفاع الفرنسي آنذاك.
كما اعترضت السفينة الأمريكية the confidence احتجاجاً على تجربة نووية مكررة ولأسباب عدة من بينها الأحوال الجوية، عادت السفينة أدراجها إلى كندا، هذه المنظمة والتي مقرها الحالي هولندا منذ اجتماع 1979 والذي ضم مكاتب أوروبا وأمريكا وغيرها وتم تحويلها إلى منظمة دولية غير ربحية.
غرين بيس التي تطرح حولها عديد الأسئلة والاتهامات حول المحرك الخفي وحول الشفافية المالية وغيرها تعد الأكثر شراسة في الأسئلة البيئية، وبالرغم من كون مدفعها في الغالب يوجه أكثر نحو البلدان المنتجة للنفط فإن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر أطربتها حيث أفردتها ببيان رسمي يشيد بها ويطرح عديداً من الأسئلة حول كيفيات التطبيق، وهذا مفهوم لكونهم لا يتوفرون على المعطيات الكافية، وهذا ما عبَّر عنه البيان حرفيًا وأرفقت ذلك بصورة معبرة فيها نبتة في لحظة بزوغها، وفي الجهة المقابلة مصفاة نفط فكأنها تقول من هذه البيئة السعودية يبزغ أمل البشرية البيئي ويمكن تلخيص البيان في المقالة المنشورة على موقع المنظمة الإلكتروني «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر... عاملاً مشجعاً وخطوة كبيرة إلى الأمام... إن وضع أهداف طموحة لمصادر الطاقة المتجددة يعتبر مبادرة رائعة..»
غرين بيس التي ترى المبادرة رائعة وخطوة للأمام تنخرط في صلب أسئلة المبادرة بتقديم مقترحات حول الوقود الأحفوري وآلية تعويض الكربون والحلول السريعة لمقاومة تغير المناخ..
غرين بيس التي لم تكتف بدور الإشادة بل تعدت ذلك إلى المشاركة في البناء من خلال مقترحاتها تعطي الدليل على أن الصيت الذي حصدته المبادرة لم ينتظر أيامًا ليغطي كامل المعمورة وليصبح من أجندات أعتى المنظمات وأشرسها بل وافتكت منها اعترافاً بكون حل المستقبل سيكون من الشرق الأوسط وتحديداً من الأرض السعودية ومبادرات قيادتها، فأين الحراك الجمعياتي الذي يشبه روعة هذه المبادرة؟