أ.د.عثمان بن صالح العامر
بذل المال صعب على النفس الشحيحة، والعطاء بلا حدود رجاء ما عند الله لا غير أمر شاق على الشخصيات الأنانية ذات الطبيعة الفردية، وكلما كثر المال وعظمت أرقامه زاد التعلق به والبخل فيه وصعب إنفاقه وبذله في وجوه الخير وإسعاد الآخرين ورسم البسمة على شفاههم مصداق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) متفق عليه.
سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين بما يحمله من قلب رحيم وبما منّ الله عليه من انتصار على ذاته وقدرة على سوقها لكل خير وبما عرف عنه من كرم وجود ولإحساسه المرهف بحاجة ذوي العوز والفاقة ولتلمسه الوجع اليومي لفئات عزيزة على نفسه قريبة لقلبه أعلن الأسبوع الماضي تبرعه السخي (بمائة مليون ريال سعودي) في هذا الشهر الفضيل شهر الخير والبركة والبذل والعطاء، فضلاً عمّا سبق من تبرعات بسخاء بعضها معلن ومعروف والأكثر يعلمه الله وحده، وهو في هذا يسوق أهل الثراء والمال للبذل في سبل الخير الكثيرة ومساعدة الفئات المحتاجة في المجتمع كما يؤكد ثقته بالجمعيات الخيرية التي تدرس الأسر وتصل إلى المتعفف منها بسرية تامة وعمل علمي رصين.
إننا في الوقت الذي نثمن ونشكر ونقدر نحن شعب هذا الوطن المبارك المعطاء المملكة العربية السعودية صنيع سمو ولي العهد نحمد الله سبحانه وتعالى ونشكره أن جعل قدوتنا في سبل الخير هم ولاة أمرنا وحكامنا وقادة وطننا الذين لهم في كل باب عطاء نصيب بل من المسابقين لفعل الخيرات وسد الفاقات وتلمس الحاجات.
لقد كان هذا الشهر الفضيل في بلادنا المملكة العربية السعودية ولله الحمد والمنة ميدان تسابق إلى الله، ومنافسة حقيقية في سوق الآخرة، ذهب فيه جمع من أهل الدثور بالأجور، تفريج كربة، وكفالة يتيم، وإفطار صائم، وعلاج مريض، وصدقة على فقير أو مسكين، وهذه المشاهد التراحميّة التي عمّت مجتمعنا، تبرهن وتدلل على أننا - بحمد الله ومنِّه- مجتمع خيِّر فاضل، حريص على تلمّس مواطن الخير، ومسابق في طرق أبواب دفع البلاء، والشكر على النعماء.
إن من السمات الحسنة التي يجب أن نفخر بها ونحرص على ضمان استمرارها التكافل والتكاتف بيننا بصورة لا يعرف عمق دلالتها معرفة حقيقية إلا طرفا المعادلة (الفقير وذو العوز الذي حصّل من الخيِّرين ما يفي بحاجاته ويسد متطلباته الحياتية) من جهة، ومن جهة ثانية (المنفق الذي ذاق لذة العطاء، وعرف أن قرضه مع الله سيضاعف له أضعافاً كثيرة، وسيجني ثمار ما بذل في الدنيا قبل الآخرة)، وما أروع ما قال لي أحد الأثرياء حين قدّم ما جادت به نفسه في سبيل من سبل الخير: «تعلم أن أول المستفيدين من المال الذي أُنفقه أنا، قبل أن يصل للمحتاج الذي ينتظره بفارغ الصبر، إذ إنني في الحقيقة أقرض الله قرضاً حسناً، ولذا أجد سعادة لا يعلم مداها إلا الله، وإلا فإن المال ليس رخيصاً عند بني آدم فهو محبب للنفس، خاصة لدى الأغنياء».
ومع ذلك فإن المنتظر أكثر والمأمول أعظم ولذا فالكل منا يهيب بأصحاب رؤوس الأموال أن يبادروا في هذه الأيام المباركة المتبقية من شهر رمضان الفضيل في الصدقة عبر (منصة إحسان) المنصة الأكثر من رائعة التي تسهل على كل راغب في العطاء تقديم التبرعات لأشد المحتاجين في مختلف مجالات الخير بسهولة وسرعة وموثوقية، أو عن طريق التمسه بنفسه حاجة من حوله من أقارب وذوي رحم وجيران فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: (أرى أن تجعلها في الأقربين) رواه البخاري. قدوتهم في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاة أمرنا وحكامنا الذين كانوا أول من دعم هذه المنصة بمال وفير، دمتم بعافية وتقبلوا صادق الود وكل عام وأنتم بخير وإلى لقاء والسلام.