د.شريف بن محمد الأتربي
يومًا بعد يوم تتعقد مسألة العمالة السائبة التي تشكل خطرًا وتهديدًا مباشرًا على اقتصاديات المملكة، وتؤثر تأثيرًا سلبيًا على المواطن سواء من ناحية أصحاب المؤسسات أو الشركات، أو من ناحية المواطن نفسه. وتعد هذه المشكلة رباعية الأطراف فهي ترتبط بكل من أجهزة الدولة والمواطن وكفيل العامل والعامل نفسه، وكل منهم له دور سواء في تحجيم هذه الظاهرة أو في تناميها.
بادئ ذي بدء؛ ما المطلوب من أجهزة الدولة للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة؟ يمكن لجميع أجهزة الدولة المعنية التعاون فيما بينها في مسألة ضبط السوق والسيطرة عليه، ويبدأ ذلك من أول منح التأشيرة للمواطن أو المؤسسة وأيضًا بعض الشركات؛ حيث يجب التأكد فعليًا من حاجة هؤلاء إلى هذا العامل، وأن المؤسسة تعمل فعلاً وليست حبرًا على ورق، وذلك من خلال التأمينات والأجور وموقع المؤسسة، وكذلك التفتيش المفاجئ على هذه العمالة، والتواصل معها عبر هاتفها المسجل في أبشر، والتأكد أنها على رأس العمل. وأيضًا حصر النقاط السوداء (أماكن تجمع العمالة السائبة) ومراقبتها، وجمع هذه العمالة وترحيلها، وتغريم كفلائها بغرامات عالية، تمنعهم من تكرار مثل هذا الفعل.
كما ينبغي على أجهزة الدولة محاربة الغلاء الفاحش في تقديم الخدمات كافة للمواطن خاصة في مجال الاحتياجات المنزلية أو الشخصية مثل: ورش السيارات، ومحال الخياطة، ومحال بيع أدوات السباكة والكهرباء، وورش النجارة والحدادة وغيرها، ويبدأ ذلك من خلال استقطاب الشباب للعمل في هذه المهن ومنحهم تسهيلات ومزايا خاصة بهم، وأيضًا تسعير الخدمات، إلى جانب منع الدفع النقدي تمامًا في هذه الأنشطة والتعامل من خلال حسابات المؤسسات البنكية ومراقبتها بشكل دقيق ومتفحص.
العنصر الثاني في هذه المشكلة هو المواطن والمقيم، حيث يلجأ كل منهم إلى هذه النوعية من العمالة ظنًا منهم أنها عمالة رخيصة وموفرة، وهذا للأسف منافٍ تمامًا للصحة فهذه العمالة تظهر لك حُسن النية وهي تضمر لك الشر فهدفها هو الحصول على أموالك بأي شكل ممكن، ولي في ذلك قصتان حكاهما لي واحد من هذه العمالة تعرفت عليه، الأولى هي أن له صديقًا يعمل دهانًا والمهنة منه براء وهو يقدم للعميل سعرًا رخيصًا جدًا مقارنة بما يجده العميل في السوق ولكنه ينهبه من ناحية أخرى حيث يقوم بتغيير سطل البويه الغالي بآخر رخيص دون أن يعرف العميل، والأدهى والأمرّ أنه يقوم ببيع هذه البويه لعميل آخر وأيضًا يستبدلها. هذه حالة، أما الأخرى فهي لميكانيكي زرت ورشته وتبادلنا أطراف الحديث عن عمله فأخبرني بأنه كان يعمل في تركيب الدش ونظرًا لكون إقامته أصلاً ميكانيكي إلى جانب ضعف المدخول المادي حاليًا من هذه المهنة فقد قرر أن يعمل بما هو في إقامته: ميكانيكي. وحين سألته كيف ذلك؟ كان رده عجيبًا، حيث قال: كله تركيب يا صديق.
وحتى نسيطر على هذه الظاهرة يجب أن يكون هناك عقاب رادع لكل من يلجأ لمثل هذه العمالة من حيث الغرامة المالية، وكذلك منعه من الحصول على تأشيرات لمدة محددة، مع الأخذ في الاعتبار تنفيذ ما ورد في النقطة الأولى من توفير مؤسسات أو جهات وطنية تقدم هذه الخدمات بأسعار معقولة، ويمكن الاستفادة من طلاب المعهد الملكي الثانوي الصناعي في ذلك.
العنصر الثالث هو الكفيل. وهنا تكمن لب القضية، فهؤلاء الكفلاء يتركون هذه العمالة السائبة مقابل مبالغ زهيدة يحصلون عليها منهم، أو لعدم حاجتهم لهم وعطفًا عليهم. وهؤلاء الكفلاء يجب أن يوقعوا على إقرار شخصي منهم قبل قدوم العامل بأنه سيقوم بتوظيفه لديه سواء في منزله أو مؤسسته، وفي حال عدم الالتزام بذلك يتم دفع غرامة مالية متصاعدة لمدة ثلاث مرات، وفي النهاية منعه تمامًا من الاستقدام وإغلاق المؤسسة.
أما العمال، وهو لب القضية، فلا بد من توعيتهم قبل القدوم إلى المملكة من عواقب عدم العمل لدى كفلائهم، وأن هناك عقوبات قاسية ستوقع عليهم في حال مخالفة ذلك، وفي حال تم إثبات قيامه بهذا الفعل فإنه يغرم ويرحل من المملكة ويُمنع من دخولها مرة ثانية للعمل، وذلك بعد أن يقوم بالعمل لدى المؤسسات التي سبق أن اقترحت إنشاءها لمدة عام على الأقل، وبالراتب نفسه الذي ورد في العقد المبرم بينه وبين صاحب العمل، وذلك بعد التأكد من صلاحيته لهذا العمل أصلاً من خلال الجهات المعنية.
إن العمالة المخالفة لا تمثل خطرًا على الأماكن التي توجد فيها فقط، ولكنها تمثل خطرًا عظيمًا على اقتصاد المملكة، وكل شخص أو مواطن شارك في ذلك فهو شريك في جريمة ضد الوطن الذي يكفيه ما يحاك له من الخارج، ولا يحتاج إلى الطعن من الداخل أيضًا.
حفظ الله ديارنا وحكامنا.