الهادي التليلي
لو تسأل التاريخ ما هي المنصة الإعلامية الأكثر تأثيرًا في الشأن الإفريقي سيجيبك إنها مجلة جون أفريك JEUNE AFRIQUE التي تصدر بباريس وتتوزع في أغلب مدن العالم، هي ليست مجرد منصة إعلامية ورقية بل إنها صانعة القرار وبأكثر تواضع هي من يؤسس لقرارات مصيرية في القارة الإفريقية وترى الآتي قبل أن يأتي بحكم مصداقيتها وشبكة المراسلين من ذوي الكفاءة النادرة والذين في الغالب هم رجال دولة فرنكفونيين.
سمعة هذه المجلة ومصداقيتها كانت ولا تزال عالية لدرجة أن كل من يريد أن يعرف حقيقة الشأن العالمي والإفريقي خاصة ليست له أفضل من وجهة جون أفريك لتشفي غليله في ذلك.
هذه المجلة التي غادرنا في هذه الأيام مؤسسها البشير بن يحمد الرجل الذي تستحق حياته أن تكون مؤلفاً خاصاً أو عملاً درامياً حيث نسج قصة نجاحه من عدم.
الصحفي المكافح البشير بن يحمد ابن جزيرة جربة التونسية سنة 1928 وخريج المدرسة القومية للتجارة بباريس قبل استقلال تونس يعد من المناضلين المؤسسين في الخط الثاني للحزب الحر الدستوري التونسي، كان مراسلاً فذاً لجريدة الصباح الصغير Le petit matin الفرنسية فكان خير مناضل بالقلب وخير مترجم لآهات التونسيين للنخب الفرنسية وذلك منذ سنة 1954.
وفي حكومة الطاهر بن عمار السابقة للاستقلال عين مديراً لمكتب محمد المصمودي وزير الدولة في هذه الحكومة لكنه استقال سنة 1955، وأدارجريدة لاكسيون لسان حال الحزب الحر الدستوري الجديد الذي يتزعمه الحبيب بورقيبة مباشرة بعد الاستقلال ثم عينه بورقيبة كاتب دولة للإعلام في أول حكومة بعد الاستقلال لكنه استقال بعد ثلاث سنوات فقط بعد خلاف مع بورقيبة، وأطلق مجلة أفريك أكسيون AFRIQUE ACTION التي أصبحت في ما بعد جون أفريك ليخرج من تونس لرغبته في تكوين كيان إعلامي يتخطى القطرية إلى القارية فالعالمية فغادر بداية إلى روما ومنها هيأ أرضيته لباريس التي انتقل إليها بعد سنة
البشير بن يحمد والذي بالرغم من كونه المؤسس لجون أفريك ورئيس مجلس إدارتها فإنه لا يحب أن يقدم نفسه إلا بصفة رئيس التحرير لأنه يرى في مكانته الإعلامية أعلى من كل منصب آخر، إنه الصحفي بكل ما في الكلمة من معنى.
تحدى عصر كورونا وأثبت للعالم أن الإعلام الورقي هو الوثيقة المجابهة للجوائح فتضاعف عدد نسخ المجلة مرات المرات. مكافح في مسار الإعلام ورسالته العميقة، هذا الفارس تركنا ورحل وفي الحقيقة لقد ترك لنا أثرًا عزيزًا هو هذا الكيان الإعلامي العملاق وسيرته التي تعطي الاعتبار للإعلامي الصادق وهو بذلك نحت تجربة تدرس للأجيال، فالإعلامي ليس مجرد ناقل خبر إنه حامل هم وقضية ومعنى.