وُلد في بلدة الشنانة في منطقة القصيم عام 1352هـ، وتلقى تعليمه في كتاتيبها، ثم درس على والده -رحمه الله، فقد حفظه والده القرآن الكريم، وجعله يشرع في طلب العلم، وبعد ذلك انتقل إلى الرياض، والتحق بالمدرسة التذكارية، وبعدها في مدرسة بحي المربع، ومدرسة المحمدية، ثم انضم إلى مدرسة تحضير البعثات، وبعد افتتاح المعهد العلمي بالرياض التحق به عام 1371هـ، ودرس على علماء آل الشيخ وتابع دراسته حتى حصل على شهادة بكالوريوس في كلية الشريعة بالانتساب عام 1380هـ، كما حصل على دبلوم تربية من كلية التربية بمكة المكرمة.
وأثناء طلبه للعلم كان يعمل بوزارة الدفاع منذ عام 1376هـ، ثم عمل بالتدريس في متوسطة بالخبر عام 1381هـ، وانتقل عام 1382هـ إلى ثانوية الخرج معلماً، وتولى إدارتها عام 1385هـ، حتى تقاعده عام 1412هـ، ثم كُلِّف لمدة طويلة رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخرج، ورئيساً لمجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الخرج، وله جهود خيرية في الدعوة، وشارك في مؤتمرات إسلامية عدة.
والشيخ عبدالله من بقية السلف في هذا الزمان- نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدًا - تعلوه السكينة، إذا رأيته رأيت محياه يعلوه نور الطاعة، وترى في قسمات وجهه السماحة والوداعة، يحبه من يراه ويجله من يعرفه.
وهو من نوادر الرجال الذين اجتمعت لهم خصال الأخلاق الحميدة من علو الهمة والتواضع، وكرم اليد، وكثرة العبادة، يخفي كثيراً من أعماله الصالحة، تراه وقوراً نذر نفسه لخدمة الدعوة وخدمة الناس، وقضاء مصالحهم وشؤونهم، وهو رجل التربية، وحين يذكر التعليم في الخرج يذكر «ابن خليفة»، حتى إن ثانوية الخرج كانت تعرف بثانوية ابن خليفة؛ لشهرته وعلو شأنه، وهو من أعلام العلم والثقافة في الخرج، وتتلمذ على يديه كثير من أبناء الخرج وخارجها.
فلا غرابة أن يطلق اسمه على قاعة مجمع المصاحف المستعملة وإعادة تأهيلها، حيث إن المشروع قام على يديه بصورة فردية حتى أصبح اليوم مشروعًا متكاملاً.
له مواقف إنسانية في حل مشاكل الناس ومعاناتهم، سواء عن طريق المسؤولين من أصحاب السمو الأمراء أو الوجهاء والمشايخ، فقد منحه الله حب الناس له، فأعماله الجليلة وخدماته النافعة غير خافية على أحد من سكان الخرج.
ومن جهوده على مستوى أسرته أن أسهم في تأسيس الصندوق الخيري لمساعدة المحتاجين من أسرته.
ومن هذه المواقف والجهود:
أولاً: جهوده في مجال التعليم:
خدم التعليم لمدة تزيد على ثلاثين سنة، فكان مثالاً للمربي والمتفاني في خدمة هذا المجال المهم - مجال التربية والتعليم وتوجيه الشباب علمياً وأخلاقياً - فهو يوجه كلاً من المعلمين والطلبة بأسلوب لبق ليس فيه عنف أو جرح لمشاعر أحد، ويلقى ذلك القبول والاحترام من الجميع، فكان لذلك الأثر الكبير لتخريج طلابنا على مستوى من العلم والأخلاق، مما ميزهم على غيرهم، فالمتخرجون من ثانوية الخرج يقبلون في الجامعات والكليات دون اختبار قبول بفضل الله ثم بفضل جهود هذا الشيخ الذي يحرص على اختيار المعلمين الأكفاء، سواء من داخل المملكة أو من خارجها، حيث إنه يكلف للتعاقد مع المعلمين في الدول العربية، وقد خدم المؤسسة التعليمية في الخرج بجهود مشكورة بالمطالبة تأمين مواقع حكومية لإقامة مدارس عليها، وتحقق له ذلك بحكم علاقته القوية مع المسؤولين وتوفيق الله له أولاً وآخراً.
ثانيًا: وبعد التقاعد طلب منه أن يرأس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصار نعم الرجل المناسب في المنصب المناسب، فقد سلك في هذا المجال توجيه رب العالمين في قوله تعالى: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، وكان يوصي رجال الهيئة بذلك دائمًا.
وكان لهذا الأسلوب الأثر الكبير في هداية كثير من المنحرفين بفضل الله، ثم باتباع أسلوب الستر في بعض القضايا الأخلاقية للأسر مما جعلهم يرجعون ذلك لله ثم لأسلوب الشيخ ويشكرونه على ذلك.
ثالثاً: وبعد عمله في الهيئات رأس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الخرج وبذل جهوداً كبيرة؛ لتقوم بعملها أحسن قيام، وهيأ لها مدرسين على مستوى من العلم والفضل وفتح حلقات عدة جديدة لتحفيظ القرآن في المساجد وفي الدور للنساء يدرس في هذه الدور معلمات فاضلات، وقد تخرج من هذه الحلقات طلاب ذو كفاءة عالية في تحفيظ القرآن الكريم تولوا التدريس في الحلقات، وفي كل عام يعد حفلاً؛ تكريماً للخريجين، توزع فيه جوائز سخية تشجيعاً لهم وتحفيزاً لغيرهم، ولقد أسس لهذه الجمعية موارد مالية تدعم ما يصرف لها من الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن بالرياض، فصار يتصل بالموسرين أصحاب الفضل ولا يقصرون في هذا المجال؛ لثقتهم بالشيخ نسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان أعمالهم.
وقد أسست الجمعية أوقافًا من عقارات عدة تؤجر يكون عائدها للجمعية، ومنها المبنى الكبير الذي يتكون من ثمانية طوابق على شارع عام في الخرج.
وفيما يتصل بالقرآن وخدمته أسس مركز العناية بالمصحف بالخرج على طريق الخرج - الرياض، وهو يعد الأول من نوعه في المملكة بل والفريد، فترد على هذا المركز المصاحف المستعملة التي تكون تالفة من جميع أنحاء المملكة، فيقوم المركز بترميمها وإصلاحها بطريقة فنية ممتازة، حيث يوجد بالمركز آلات عدة حديثة وفنيون مهرة يبذلون جهوداً كبيرة للعناية بكتاب الله، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين أعمالهم يوم القيامة، ولا يفوتنا أن نذكر أن تمويل هذا المركز يعتمد على المحسنين جزاهم الله خيراً.
والجدير بالذكر أن إنتاج هذا المركز يوزع مجاناً داخل المملكة وخارجها.
المركز الخيري للعناية بالمصحف الشريف الفكرة والتنفيذ:
من أهم مرافق الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الخرج مشروع خدمة القرآن الكريم، والذي يعد من أعظم مشاريع الصدقة الجارية، ومع أن عمره قرابة سبعة عشر عامًا إلا أن الله وفق العاملين عليه لجمع مئات الآلاف من نسخ القرآن الكريم المستعملة، وإصلاحها والاستفادة منها بفضله وتوفيقه.
الفكرة والتنفيذ:
نشأت فكرة هذا المشروع في بداياته عن طريق أحد المحسنين الشيخ محمد بن مناور، والذي قام بجمع المصاحف حين رآها في وضع لا يليق بكتاب الله من المدارس والمساجد، حتى اجتمعت لديه كميات كبيرة منها، وبدأ بإصلاح ما يمكن إصلاحه؛ لتعود لسابق عهدها ثم اجتمع بعض الإخوة المحتسبين وشرعوا بترميمها يدوياً، واستمرت هذه الطريقة فترة من الزمن حتى زاد استقبال المصاحف، وبلغت كميات كبيرة، وعرض الأمر على صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود - محافظ محافظة الخرج آنذاك - حيث عرضت عليه الحاجة إلى مكان لجمع المصاحف، فقام - جزاه الله خيرًا - بتخصيص جزء من مبنى المحافظة القديم؛ ليكون مستودعًا لها جعله الله في ميزان حسناته.
وبعد أن اطلع الشيخ عبدالله بن محمد الخليفة - رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الخرج - على الكميات الكبيرة من المصاحف المستعملة تبنى المشروع لعظمته، محتسبًا الأجر من الله ولأهداف أهمها:
• حفظ القرآن من الامتهان وتكريمه وإعلاء منزلته.
• تحويل المصاحف التي تعرضت للإهمال لمصاحف صالحة للاستعمال.
• إيصال المصاحف بعد ترميمها إلى المسلمين المحتاجين إليها في أنحاء العالم.
• ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين بتعظيم كتابه الكريم.
وقد حصل المركز بفضل الله على تبرع بأرض من أحد المحسنين ـ رحمه الله ـ بمقر ملائم، وبمساحة قدرها 2500 متر مربع، بحيث يحتوي على مستودعات وورش عمل ومكاتب إدارية وسكن للعاملين، وتولى الشيخ عبدالله إصدار التراخيص اللازمة للبدء به ومتابعته حتى تنفيذه، وتم له ذلك بفضل الله ثم بجهود المحتسبين، وقد تم الانتقال للمركز عام 1429هـ، وكانت مساهمة الشيخ عبدالله قفزة لهذا المشروع الخيري، فتوسع العمل من محافظة الخرج إلى مدينة الرياض، ثم ذاع صيته حتى شمل جميع مناطق المملكة - ولله الحمد.
مراحل تطور العمل
في المركز:
بدأ العمل في المركز على ترميم المصاحف في شهر ربيع الأول عام 1425هـ بكميات بسيطة لا تتجاوز المئات شهرياً، وبشكل يدوي، ثم زادت تدريجياً إلى أن وصل المعدل إلى حوالي 60000 نسخة سنويًا (5000 نسخة شهريًا) من جميع الأحجام - ولله الحمد - حتى عام 1429 هـ.
وفي عام 1429 هـ وبعد الانتقال للمقر الرئيسي بدأ تطوير العمل وإدخال بعض الآلات والمكائن حسب إمكانيات المركز، وارتفع الإنتاج ليصل إلى 9000 نسخة شهرياً ثم تم تحديث معدات المركز عام 1431 هـ، وارتفع الإنتاج ليصل إلى 10000 نسخة شهرياً.
وفي عام 1433هـ وضعت خطة تطويرية شاملة للمركز تم من خلالها استبدال المعدات القديمة بأخرى حديثة، وتمت توسعة المستودعات بنسبة 100 % لتستوعب الكميات الضخمة التي ترد المركز من كل أنحاء المملكة وارتفع الإنتاج ليصل إلى 19000 نسخة شهرياً وبتكلفة تشغيلية تقارب 600000 ريال سنويًا.
ووصل عدد المصاحف المرممة والتي تم تصديرها إلى الخارج لما يقارب 500000 نسخة ويتجاوز عدد المصاحف التي على قائمة الانتظار أكثر من مليوني نسخة تنتظر الإصلاح.
توفي شيخنا رحمه الله عصر يوم الخميس السابع عشر من رمضان صائمًا، جعله الله ممن يفطر في الجنة، وقبيل وفاته -رحمه الله- بسويعات استدعى أحد أبنائه وأخبره بأنه رأى في المنام من يخبره بأن يستعد بعد قليل لأنه سيأتي خمسة رجال يأخذونه ليغسلوه، فكان كما رأى.
رحم الله شيخنا رحمة واسعة، وجعله من أهل الفضل في الدارين.
شارك في الإعداد:
- د. زكريا بن سليمان الخليفة.
** **
- إبراهيم بن سليمان الخليفة