إبراهيم بن سعد الماجد
هلال العيد.. يوم العيد.. صباح العيد.. فرحة العيد
ووجه الحبيبة.. أماً كانت أو زوجة أو بنت أو حفيدة.
هو يوم واحد، وبعده لكلٍ وجهة نظر، ولكلٍ سبيل، بل وسبل.
يقول الرافعي:
(ما أشدَّ حاجتَنا -نحن المسلمين- إلى أن نفهم أعيادنا فهمًا جديدًا، نتلقَّاها به ونأخذها من ناحيته، فتجيء أيامًا سعيدة عاملة،تنبه فينا أوصافها القوية، وتجدِّد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحة عاطلة ممسوحة من المعنى، أكبر عملها تجديد الثياب، وتحديد الفراغ، وزيادة ابتسامة على النفاق.
فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه، وكما يفهم الناس هذا المعنى يتلقَّوْن هذا اليوم، وكان العيد في الإسلام هو عيد الفكرة العابدة، فأصبح عيد الفكرة العابثة)
لمصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - عباراته التي تأتي أحياناً على الجرح، فيكون الألم مضاعفًا كونها جاءت بالحقيقة،فأحدثت وخزًا، بل صعقًا لقلوب تعي المشكلة، وتدرك حجم الكارثة نتيجة لهذا الفهم الخاطئ لمعنى الفرح، بل لمعنى العيد!
الناس تُردد عن قصد وعن غير قصد،كثيراً أبيات المتنبي التي تقول:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونهم بيد
يرددون قول المتنبي، وحالهم ليست حاله، فلا البيداء دون أحبتهم، ولا الحال دون مسرتهم! يتقلبون في نعمة الحب والأنس والقرب، ويرفلون في نعم الأمن والعيش الرغيد!
يرددون هذه الآهات وكأنهم لم يسمعوا بمن كان فعلًا العيد مرّ عليه في ظرف مؤلم محزن، لم يكن كما كان، فجاء بوجه كالح مثيرٌ للأشجان والأحزان:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدة
فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
في لبسهن رأيت الفقر مسطورا
معاشهن بعيد العز ممتهن
يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءته
ولست يا عيد مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مبتهج
فعاد فطرك للأكباد تفطيرا
هذا هو المعتمد بن عباد، الذي كان يوم العيد عنده فرحًا وسرورًا، فجاء هذه المرة على غير المعتاد، حزنًا وانكسارًا وذلاً.
وما أصعب أن يأتي العيد، والنفس منكسرة، والقلب مهموم، فيتضاعف الألم، وتخور القوى.
نعود لمقولات مصطفى الرافعي عن هذه المناسبة الجليلة العظيمة، لكل الأمة. فما أجمل بيانه، وما أعذب كلامه، يقول:
(ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأنَّ الأيام تتغيَّر، وليس العيد للأُمَّة إلا يومًا تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب.. كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يومًا في شعبها الحربي. وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة، يتحقَّق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنَّما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلِّها)
عيدنا في هذا الوطن.. عيد سعيد، قيادة وشعب، قلب واحد، لهدف واحد، في هذا الوطن، يأتي العيد، بعد أن تقرّبنا لله سبحانه وتعالى بخدمة المعتمرين والزائرين، وفي العيد الأكبر بخدمة حجاج بيته الحرام، فالحمد لله أولًا وآخراً.
قلت: العيد.. أن تشعر بالحب.