إيمان الدبيّان
الشعر ديوان العرب، ووثيقة الأدب، من آلاف السنين إلى آخر الحقب، كتبه من الشعراء الكثير، وفنونه لها كم وفير، له نقاده، وعشاقه ومحترفوه وهواته، ومن أبرع من كتبه نبطياً الشاعر الذي ربطنا ببيئتنا عبر أبيات جزلة منها:
لا تسألوني ليه أنا
عاشق خُزامى مُستهام
إذا عرفتوني أنا
تدرون وش سِر الغرام
أَصْلِي أنا بيتي شَعَر
والبَر هو ديرة هَلِي
فعرف زهر الخزامى من لم يعرفه وتمنى بيت الشَّعر من لم يسكنه.
هو نفسه الشاعر الذي يضخ حب الوطن، وولاته في عروقنا، و قلوبنا عندما قال:
يا ابن صقر الجزيرة واسمك الصقر سلمان
صرت فوق المعالي في سماها والأزمان
وهو الذي أُجِيبُ ببيته على كل من سألني من أي منطقة أنا، وإن كانت كل منطقة هي جِذْر لي فأجيبه:
تستاهل الحب نجديَّه
رفيعة الشَّان عجَّابه
العين يا عين بحريَّه
لقلوب الأحباب نهَّابه
وهو الذي طرح قبل أيام أبياتاً من الشِّعر النبطي الثرية بكلماتها البليغة، وحكمها الرصينة، المستمدة من سمو قائلها سمواً إنسانياً قبل أن يكون ملكياً، والمستقاة من تجارب الحياة وليست تنظيراً شكلياً، فكانت القصيدة الرائعة من الشاعر المبدع الأمير خالد الفيصل (عرِّب وِلَيْدِك).
أرسلت شوفي للمقابيل وارتعت
ياليتني ما أرسلت شوفي ولا شِفت
عرّب وليدك قبل تغريبة الوقت
لا يطرح الغترة على طايح البِشْت
القوم أعدّوا له برامج وتأهيل
كبرت على الجمعة وهانت على السبت
واستهدفوا دينه وحرفه وفكره
من صفحة الأقلام إلى ساحة النِّت
واسترطنوا لسانه بحرف الأغراب
يستهجن العرضة ويستعذب البِشت
تلاحقوا ترى الثواني ثمينة
لا تلحق الأولاد تغريبة البنت
أقولها دين وعروبة وغيره
وأمر الله النافذ ولو قلت ما قلت
مطلع القصيدة يدور حول وجهة النظر المستقبلية للشاعر التي تبصَّر فيها حال بعض أبناء العروبة مستقبلاً، وتمنى بحسرة أنه لم يرَ، ولم يتفكر هذه الحال المؤلمة، فأتبع البيت الأول باقي الأبيات طالباً من كل مسؤول عن ابنه أن يعرّب وِلَيْدَه قبل أن يطغى عليه التغريب مع الوقت، وكان ذلك بصيغة المحب من خلال استخدام أسلوب التصغير للمحب، وتمليح المصغر، وتدليله، وتمنى أن يكون هذا التعريب لغة، ولبساً، وتراثاً، وثقافةً، وتقنيةً، ودِيناً، وفكراً مستخدماً أرقى أساليب التوجيه، والنصح وذلك بذكر المبررات لهذا التوجيه الذي كان دافعه الغيرة الدينية، والوطنية، ومع هذا يظل أمر الله ماضياً مهما كان القول أو الفعل.
قصيدة تدرس وتحليلها طرحته على عجل حتى لا يمل القاريء العادي من الشرح والطرح، قصيدة تمنيت أن لي (وِلَيْدٌ) أُلبِسه (المرودن، والصاية) وأقلِّده (المجند) والسيف وأعلمه لبس الغترة مع البشت، وأغني له هذه الأبيات ليرقص أمامي عليها، منمية فيه أصالتنا، وتراثنا شكلاً، ومضموناً، شكراً سمو الأمير خالد الفيصل على هذا التوجيه الذي يؤخذ عظة، ويستشعر حباً وثقة.