عبدالرحمن الحبيب
«إنه مثل كلب يطارد سيارة. ماذا يفعل الكلب عندما يمسك بالسيارة؟ لا توجد خطوط تماس طبيعية لتفكيك جوجل؛ أنت لن تقوم بتقسيمه إلى نظام تشغيل ونظام متصفح طالما الاثنان مندمجان دائماً. إذن ما هي لعبتك النهائية؟» هذا ما قاله دانيال كرين، خبير مكافحة الاحتكار في جامعة ميشيغان عن محاولة تفكيك احتكار شركات التكنولوجيا العملاقة.
أصحاب هذه الشركات متهمون بالنفاق والمراوغة، فمثلاً يتحدث زوكربيرج (مؤسس فيسبوك) وزملاؤه عمالقة التكنولوجيا عن الحاجة إلى تقنيات وشركات جديدة «ابتكارية» وتنظيمات حماية المنافسة وتفكيك الاحتكار، لكن زوكربيرج نفسه دأب على كتابة رسائل إلكترونية معرباً عن أسفه لأنه إذا «نمت العلامات التجارية الجديدة على نطاق واسع، فقد تكون مزعجة للغاية بالنسبة لنا»؛ وفي رسالة أخرى، كتب زوكربيرج أنه عندما يبني المرء هيمنته على السوق، «من الأفضل الشراء بدلاً من المنافسة».. هذا ما فعله بالضبط، بشراء منصات يحتمل أن تكون قادرة على المنافسة مثل واتساب وانستغرام، حسب ما ذكرته كلوبشار رئيسة للجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ثمة قلق عالمي من النفوذ الهائل لشركات التكنولوجيا العملاقة: فيسبوك، جوجل، أمازون، أبل، مايكروسوفت، الذي اعتبره البعض أقوى من نفوذ الدول. فـ»القوة الاقتصادية الضخمة والمركزة لقلة من المحتكرين ستترجم إلى قوة سياسية أكثر من اللازم» حسب وصف تيم وو (Tim Wu) في كتابه «لعنة الضخامة» (The Curse of Bigness) موضحاً أننا يجب أن نأخذ ذلك بالاعتبار عند تطبيق مكافحة الاحتكار.
لذا، هناك اتفاق دولي على ضرورة الحد من هذه القوة الاحتكارية وتنظيمها، لكن الاختلاف كبير في كيفية فعل ذلك سواء في نوعية الأنظمة المقترحة أو في طريقة تطبيقها.. فبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اختلاف كبير، كما أنه داخل أمريكا اختلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين.
في كل الأحوال فإن تفكيك احتكار شركات التكنولوجيا العملاقة هذه لا زال بعيد المنال، لكن يبدو أن كثيراً من الدول بدأ بالفعل في الاستعداد لاتخاذ إجراءات حاسمة، أو كما قالت كلوبشار في مقابلة إن عصر التساهل هذا قد انتهى، ويتفق معها العديد من خبراء مكافحة الاحتكار والمشرعين الأمريكان والأوربيين.
هناك إشكالية تشريعية قضائية في معاقبة السلوك الذي يعتبر مخالفًا للمنافسة وفي تحديد ما هو احتكار وما هو غير ذلك.. وتحديد طرق مكافحة الاحتكار. هناك أيضًا سبب وجيه للحذر القضائي؛ فقد تتحول القوة المحتكرة من جانٍ إلى ضحية من قبل قوة احتكار جديدة مثلما حصل لمايكروسوفت التي تحولت إلى طرف متضرر في قضية ضد جوجل لأنها تحاول رفع مستوى محرك بحث Bing الخاص بها. لذا، يقول العديد من خبراء مكافحة الاحتكار إنه ربما يكون من الصعب استحداث تشريعات حكومية جديدة لحماية المنافسة في عالم التكنولوجيا؛ «دع الأسواق تعتني بذلك بدلاً من التدخل» (مايكل هيرش، فورين بوليسي).
لكن البيئة السياسية تغيرت بشكل كبير لدرجة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وبعض كبار المنظمين، عبَّر عن سعيه إلى تفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى. لكن إذا كان بايدن قد قال أثناء حملته الانتخابية، إن تفكيك الشركات شبه الاحتكارية للتكنولوجيا مثل فيسبوك هو «شيء يجب أن نلقي نظرة فاحصة عليه حقًا»، فإنه حسب مايكل هيرش: «من شبه المؤكد أن هذا لن يحدث: الإرادة السياسية ببساطة ليست موجودة.. وقال هربرت هوفينكامب، خبير مكافحة الاحتكار في جامعة بنسلفانيا: «لا أعتقد أن بايدن لديه الجرأة على ذلك». والسبب بسيط: تختلف الانتهاكات الاحتكارية اليوم تمامًا عن القديمة، عندما تواطأت احتكاريات كبرى مثل ستاندرد أويل لجون دي روكفلر لفرض أسعار عالية قاسية على المستهلكين، وكانت الإرادة السياسية جاهزة من أجل مقاضاتهم.. على العكس من ذلك الآن: يحب معظم المستهلكين الوضع الحالي لأنه يمكنهم شراء جميع أنواع الأشياء الرخيصة على أمازون وتسليمها باليوم التالي، كما أن فيسبوك لا يفرض عليهم سنتًا، حتى عندما يبيع معلوماتهم الخاصة إلى المعلنين والمتلاعبين بالسوق.. «يجب أن يتوخى الديمقراطيون الحذر هنا، فالمستهلكون هم جمهورهم».
حتى جويل كلاين، الذي قام بصفته رئيس قسم مكافحة الاحتكار بوزارة العدل في عهد الرئيس كلينتون بإقامة الدعوى القضائية الأصلية لمكافحة الاحتكار ضد شركة مايكروسوفت، قال إن قضايا اليوم مختلفة: «ما كانت مايكروسوفت تحميه هو احتكارها لأنظمة التشغيل.. ليس واضحاً بالنسبة لي أنه إذا كنت تريد إجراء بحث على الإنترنت، فلا توجد طرق أخرى للحصول على نظام أساسي (جديد) هناك.. بعبارة أخرى، جوجل لا تمنع الأشخاص من استخدام Bing إذا أرادوا ذلك..».
لذا ما يزال القانونيون أنفسهم يناقشون ما إذا كانت شركات التكنولوجيا الكبيرة تشكل تهديدًا حقًا، وإذا كان الأمر كذلك، فما نوعها؟ لكن البعض يرى أنه حتى لو أن فيسبوك وجوجل مجانية وكانت أسعار أمازون رخيصة فإن الناس العاديين قد يتعرضون للأذى بطرق لا يدركونها تمامًا.. ومن ذلك أن الآلاف من تجار التجزئة والشركات المستقلة يمرون عبر أمازون للوصول إلى السوق معتمدين بشكل متزايد على أكبر منافس لهم، ولن يطول الوقت حتى تمد أمازون نفوذها وتطردهم من منصتها وتقمع الشركات المنافسة.