الهادي التليلي
الرؤية التنموية السعودية 2030 وما تطرحه من أسئلة ومشاغل كانت محور المقابلة التلفزية التي بثتها القناة السعودية الأولى وأهم شاشات التلفزة العربية، اللقاء له رمزياته في اختيار صاحب السمو ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، هذا اللقاء الذي نعتبره وقفة إيبستيمولوجية لتقييم ما تم إنجازه خلال خمس سنوات مضت وتحديد خارطة طريق ما تبقى من مسيرة البناء والتشييد في الرؤية الإستراتيجية للمملكة نراه درسًا اتصاليًا حريًا بالدراسة والتحليل من زاوية هندسته الاتصالية
اللقاء التلفزي الذي حاوره فيه عبدالله المديفر هو ثالث ظهور لولي العهد حول الرؤية، حيث سبق بلقاءين منذ إطلاق الرؤية أحدهما مع داوود الشريان وثانيهما مع تركي الدخيل وكلاهما كانا في لحظة التأسيس للرؤية لهذا كان اللقاء الذي قدمه المديفر والذي جاء بعد أن قطعت الرؤية شوطاً مهماً من مسارها، لقاء بطعم خاص حيث يتنزل بعد شوط من العطاء وفي لحظة تاريخية جد دقيقة لقاء السابع والعشرين من أبريل سيبقى مسجلاً في الذاكرة والتاريخ لعمق ما طرح فيه ولثورية مخرجاته.
اللقاء الذي اخترنا أن نتناوله عموديا لا أفقيا ليس مجرد لحظة استعراض لما أنجز واستشراف لما سيتحقق وفق النسق والمتوقع مع تقييم لمدى تطابق الوعد مع مؤشرات الأداء بل كان درسا اتصاليا بأتم معنى الكلمة حيث كانت هندسة الخطاب geometry of discourse متعددة السطوح والأبعاد كما لو كانت سجادة تفاصيلها لا محدودة تحرك خلاله الباث والمتقبل وتعدد كل منهما بشكل يجعل المحتوى لعمق دلالاته لا يمكن أن يدرك بالشكل الدقيق إلا إذا تم وضعه في المربع الاتصالي والذي نفصل أركانه كما يلي:
أولا منشىء الخطاب ونعني هنا ولي العهد ومحاوره والهوامش البصرية المساهمة في تنسيب الخطاب وثانيا قناة التواصل ونعني بها اللغة والشاشات التي تبث الحوار ما نعني به وسيلة التواصل وثالثا المحتوى المقدم من أسئلة وأجوبة ورابعا الجمهور المشاهد والجمهور المستهدف والسياقات الخاصة المحددة.
ولو فصلنا النقطة الأولى من الخطاب نجد منشىء الخطاب وهو ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من جهة وعبدالله المديفر من جهة ثانية كإعلامي محاور فالأول شخصية اعتبارية ويعد ملهم الشباب السعودي والعربي وقائد معركة تحديثية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سياق رؤية إستراتيجية جعلت المملكة العربية السعودية مؤهلة لأن تكون من الكيانات الكونية الأكثر تأثيرًا في المشهد الجيوسياسي ومحاوره عبد الله المديفر إعلامي يتميز بجديته، ذو سمعة قل أن توفرت لدى منشطي هذا الزمن مما أهله لأن يكون مرشحا لمحاورة ولي العهد بمعنى أن أفق الانتظار سيكون عالي السقف خاصة وأن اللقاء أعلن في بعض وسائل الإعلام أنه سيكون قبل ذلك بأيام ولكن في الأخير تم تحديده على الساعة الحادية عشرة ليلا في شهر رمضان، وهو توقيت عال في نسب المشاهدة مع شغف الانتظار مع أن ولي العهد تعوده المتابعون لا يميل كثيرا إلى الحضور التلفزيوني بقدر ميله إلى الفعل والتأسيس والبناء ولو طبقنا القالب البصري للحوارين السابقين على هذا الحوار نجد ثلاثة محاورين لولي العهد ونجد إطارين مكانيين فالحواران اللذان أجراهما كل من تركي الدخيل وعبدالله المديفر مختلفان بصريا عن الحوار الذي أجراه داوود الشريان، كما أن قناتين للبث الرئيسي هما قناة السعودية الأولى في حوارين وقناة العربية في حوار بالرغم من أن كل الحوارات الثلاثة تم بثها في عدد من الشاشات العربية وشكليا المشترك البصري في هذا الركن بين حواري ولي العهد مع المديفر والدخيل أكثر رسمية وكأن الحوار مع داوود الشريان استجابة لاستفسارات وتطلعات الرأي العام، خاصة وأن الرؤية في بدايتها.
وأما بالنسبة للنقطة الثانية في المربع التواصلي ونعني بها اللغة وقنوات التواصل نجد أن اللغة المعتمدة هي العربية المبسطة، وذلك لإيصال المعلومة لأكبر مستهدف ممكن مع الاستئناس بأرقام ومعطيات دقيقة ومنهجية واضحة في حين قنوات إيصال الخطاب كانت ولا تزال في إيصال خطاب المنشئ إلى الجمهور متعدد السطوح ففي السطح الأول نجد القنوات التي بثت الحوار مباشرة وفي السطح الثاني نجد القنوات العربية التي لم تقم ببث الحوار مباشرة والقنوات العالمية الغير ناطقة باللغة العربية التي استثمرت الحوار في جملة من الأخبار المتفرقة حسب مجال كل خبر كالذي يتعلق بالسياسة الخارجية والذي يتعلق بالاقتصاد والذي يتعلق بالجانب الاجتماعي وغيره، ما يعني أنه على أقل تقدير أكثر من 10 آلاف قناة بين عربية وعالمية تكون قد تعرضت لخبر حوار ولي العهد السعودي وخاصة في جانب الحديث عن مسألة السياسة الخارجية.
وفي السطح الثالث محركات البحث وقنوات اليوتوب والصحف المكتوبة والرقمية والإذاعات الهرتزية والرقمية.
وفي السطح الرابع وسائل التواصل الاجتماعي على مختلف منصاتها.
وفي السطح الخامس مراكز البحوث والإستعلامات والدراسات الإستراتيجية في مختلف دول العالم لإطلاع رؤسائهم بمحتوى الخطاب للمكانة العالمية لولي العهد من جهة وللمنزلة التي تتبوؤها السعودية في المشهد الجوزياسي والكوني.
وفي السطح السابع مراكز الدراسات المالية المعتمدة لدى البورصات والمنشآت المالية العالمية والتي ترصد مختلف المستجدات العالمية وخاصة ذات الصلة بالبلدان التي تعد أقطابا اقتصادية من حجم السعودية، وفي العادة أسعار العملة والبترول والذهب تتأثر بشكل كبير بتصريحات الزعماء السياسيين لذلك أي حوار علني مهم لا يخرج عن دائرة الرصد والدراسة والتحليل.
في الواقع إن مساحات إيصال الخطاب ودوائرها لا تنتهي لدرجة تصبح فيها وسيلة إيصال الخطاب منتجة لخطاب مواز، وهو ما يعبر عنه بتزييف الخطاب وإخراجه عن سياقه الذي تنزل فيه إما بداعي الترجمة أو بفتوى التلخيص أو لفائض إيديولوجي أو حسابات سياسية، وهنا نشير إلى نقطة جد مهمة والمتمثلة في مقترح الترجمة الفورية المعتمدة، وتكون في قنوات موازية بلغات عديدة مسألة جد مهمة.
ففي الأصل الحوار عقد في مكان ما وفي تاريخ محدد ولكن في الواقع هو في كل أرجاء المعمورة وتلك حكمة المجتمع التواصلي الذي لاجغرافية فيه لحظة بث المعلومة وإنشاء الخطاب.
وأما في ما يتعلق بالنقطة الثالثة من المربع العلامي ونعني محتوى الخطاب فقد تم تفصيل الحديث فيها من ثلاث زوايا أولها التحديات وثانيها المتحقق وثالثها المنشود.
ففي مجال التحديات رصدنا ثمانية أساسية من تلافيف الحوار:
أولها تحدي المنظومة والمعبر عنه بمركزية قرار الدولة في الشأن التنموي حيث وخلال تسلم الملك سلمان للحكم في 2015 كانت هناك مشكلة كبيرة تتمثل في غياب مركز الدولة في القرار وتمركز كل قرار قطاعي داخل الوزارات المعنية، وعلى سبيل المثال طرح إشكالا جوهريا في التنمية الحضرية ألا وهو الإسكان حيث كانت قد رصدت 250 مليار ريال في 2011 لم يصرف منها في 2015 إلا مليارين بسبب توزع اقرار التنفيذي بين الوزارات وغياب مركزية التسيير الضامنة لتلافي كل الصعوبات.
وثانيها جدارة فريق تحقيق الرؤية الذي لابد أن يكون يشبهها في الطموح والإبداعية والانتماء والشغف، وهنا تعرض للمقاييس التي تم اعتمادها في اختيار الفريق وما استوجب ذلك من تغييرات وزارية وإدارية وغيرها حتى تتحقق أهداف الرؤية، وهذا جد مهم فثقافة الرؤية لا بد أن تكون متوفرة في الفريق ولابد من قيادي مركزي مؤهل لصنع قرار في مستوى التطلعات حيث قال ولي العهد «كان عام 2015 صعباً للغاية، ولديك 80 % من الوزراء غير أكفاء ما أعينهم حتى في أصغر شركة صندوق استثمارات عامة والخط الثاني شبه معدوم من نواب أو وكلاء وزراء وقيادات في الوزارات بنسبة عالية جداً مفقودة أغلب من يعمل لعمل روتيني لتخليص معاملات وإجراءات لكن ما فيه عمل استراتيجي أو تخطيطي لتحقيق هذه المستهدفات أو أهداف للمستقبل».
وثالثها أحادية الموارد التي كانت ترتكز على النفط حيث أن التحول المجتمعي وما افرزه من حاجيات متزايدة تتطلب تنويعا في الموارد واستغلال الفرص الاستثمارية غير المستغلة والتي تتجاوز التسعين بالمائة ففي الثلاثينات والأربعينات كان عدد سكان المملكة لا يتجاوز الثلاثة ملايين في حين إنتاج النفط كان يفوق الحاجة بكثير أما الآن فعدد المواطنين في حدود العشرين مليون ساكن ونمو إنتاج النفط لا يساير هذا النمو، وبالتالي التفكير في جودة حياة الأجيال القادمة يتطلب التفكير في تنويع الموارد.
ورابعها الإطار التشريعي (بالمعنى القانوني) غير السلس واللامؤسسي والذي يهدر الزمن والطاقات البشرية والإمكانيات والفرص المتاحة وهي مسألة استوجبت التدخل بحلول علاجية لما فيها من تعطيل لأهداف الرؤية لهذا تم تأسيس لجنة إستراتيجية لتجاوز المعيقات « ولكن مستقبلاً من خلال مكتب متخصص سينشأ آخر هذه السنة وتحول إلى أوامر للوزارات بتنفيذ الاستراتيجية المعدة بدور ومستهدف واضح لكل وزارة بتنسيق وتوزيع مهام لكل الوزارات لتحقيق كل هدف مطلوب، فهذا العمل استغرق تقريباً ثلاث سنوات من 2016 حتى 2018 ومن هنا بدأنا ننطلق».
وخامسها التعويل الكلي على الإنفاق الرأسمالي لميزانية الدولة هذا العائق في توفير الاستثمارات لتحقيق اهداف الرؤية استوجب تفعيل صندوق الاستثمارات العامة «اليوم الصندوق ينفق في الاستثمارات الجديدة داخل البلد أكثر من الإنفاق الرأسمالي لميزانية الدولة، معنى ذلك اليوم صندوق تحريك الاقتصاد السعودي أكثر من ميزانية الدولة، هذه ستستمر في شكل تصاعدي حتى تصل في 2030م إلى تقريبًا أكثر من 400 مليار ريال، في 2030م فقط يصرف الصندوق في استثمارات جديدة، يعني تقريبا 3 أضعاف أو أقل بشيء بسيط مما كانت الدولة تصرفه في الإنفاق الرأسمالي داخل السعودية».
وسادسها المعتقدات السائدة وغير المسايرة للواقع فالرؤية ثقافة قبل أن تكون ممارسة فلا يمكن أن تكون محققة لنقلة نوعية والفكر الجمعي قائم على اجتهادات لا تلزم جوهر الدين ولا روح العصر الذي تتنزل فيه والواقع الراهن غير ملزم على التقوقع في لحظة ماضية لها دواعي وجودها المختلفة إذا كانت تعطل التنمية فمصدر التشريع بالنسبة للمملكة هو القرآن صالح لكل زمان ومكان فلا مجال لتأليه أشخاص والاتكال على اجتهاداتهم التي هي قد تكون صحيحة في لحظتها ومن تم تصنيمهم فلو كانوا أحياء لما رضوا بذلك فالرؤية كثقافة تحتاج إلى بيئة استثمارية جاذبة لا يوجد فيها مكان للتعصب والتشدد الديني فالإسلام اعتدال وتسامح لهذا كان نشر الثقافة الجديدة من الرهانات التي واجهت الرؤية في السنوات الأولى لها.
وسابعها جائحة كورونا حيث تزامنت مع فترة الرؤية وهو التحدي الذي لولاه لكان نسق الفعل أسرع ومع ذلك فإن الخمس سنوات الأولى حققت مؤشرات واعدة في مختلف المجالات حيث أثرت على أسعار النفط والسعودية لايزال اقتصادها يعول على إنتاجه وعلاج آثارها الاقتصادية كان بضريبة القيمة المضافة VAT بسقف 15 بالمائة إلى مرحلة تعود بعدها إلى النسبة التي كانت قبلها بمجرد التعافي من ظاهرة كورونا حتى لا يتم اللجوء إلى خفض الأجور مثلما حصل في بعض الدول الأوروبية.
وثامنها النسب العالية للبطالة فكيف للرؤية أن تتقدم ونسب هامة تحتاج إلى توظيف، حيث يقول بأن البطالة كانت 14 % في الربع الأول من 2020 وصلنا إلى 11 % ومع الجائحة ارتفعت البطالة وكنا أفضل سادس دولة في G20 أداء من ناحية البطالة, ونرى الآن في الإعلان في الربع الرابع من 2021 عدنا إلى 12 % وسنكسر حاجز 11 % في العام الحالي وصولاً إلى 7 %.» فالرؤية وهي تتقدم تحاول علاج ظاهرة البطالة في نفس الوقت.
وتاسعها بيئية حيث يشكل التصحر وتفاديه وإنعاش البيئة الصحراوية والتي تشهد تربتها ترهلا وصل نسبة 50 بالمائة فالرؤية بمنظورها الحداثي لما تحويه من مضامين إنسانية راقية أولها جودة الحياة تحتاج إلى بيئة خضراء بلاعواصف رملية وغنية بالأكسجين حيث قال «انخفض الغطاء النباتي في السعودية خمسين سنة الماضية تقريبًا 70 % فكان هناك مستهدفا وهو رفع الغطاء النباتي إلى 200 % في 2030 والعودة إلى وضعنا الطبيعي، وما تم إنجازه في أربع سنوات الماضية، أنه ارتفع الغطاء النباتي 40 % وكان له أثر بانخفاض العواصف الرملية بنسبة 30 % أو أكثر كان له أثر كبير جدًّا لزيادة منسوب الأمطار».
وعاشرها أمنية تمس الاستقرار في الوطن وعلى الحدود وأكثر ما يهدد المناخ الآمن للرؤية لحظة تحققها العصابات المسلحة الحوثية على الحدود لأن الرؤية استثمار لا محلي بل إقليمي تستفيد منه كل المنطقة والتأثيرات متبادلة وهو ما يحتم السعي لتوفر استقرار في دول الجوار تغذية لاستثمار الرؤية» بعدما بات الحوثي يتوسع من 2014 حتى وصل صنعاء في بدايات 2015 ومن ثم انقلب على الشرعية،.. هذا أمر غير قانوني في اليمن وغير قانوني دولياً ولا يوجد أي دولة في العالم تقبل أن تكون ميليشيا على حدودها وأن يكون هناك تنظيم مسلح خارج عن قانون دولة على حدودها هذا أمر غير مقبول».
والمتأمل في حجم التحديات العشر يتيقن بلا شك أن المملكة العربية السعودية كيان يتملك كل أسباب القوة بما أنه استطاع أن يهضم كل التحديات ويوظفها في بناء رؤية تليق بالجهود وتحقق المنشود، وهو ما يطرح السؤال عن حجم المتحقق في الخمس سنوات الأولى من الرؤية في ظل هذه الظروف؟.
في الحقيقة التحديات الجمة التي مرت بها الرؤية كانت مساهمة في نضجها لأنها مبنية على تخطيط إستراتيجي بمستويات عالية الدقة إضافة إلى حماسة وشغف وطموح الفريق بمختلف مستوياته، ولو نظرنا إلى المتحقق فإن أول ما يجدر الإشارة إليه تكوين فريق عمل بمواصفات تفترضها الرؤية وهم ما نعبر عنهم برجال الرؤية.
وثاني المتحقق التأسيسي هو مواءمة الإطار التشريعي القانوني والتنظيمي لمقتضيات ومتطلبات الرؤية.
وثالثها توفر الإرادة والطموح لدى القيادة الرشيدة في بناء دولة سعودية متقدمة في جميع المجالات.
ورابعها ارتفاع الإيرادات غير النفطية من 166 إلى 350 مليار ريال.
وخامسها تكثيف الزمن الإداري لإجراءات الاستثمار على سبيل المثال إنشاء السجل التجاري من بضعة أيام إلى نصف ساعة.
وسادسها تنامي الاستثمارات الأجنبية ثلاث مرات أي من 5 إلى 7 مليار ريال سنويا
وسابعها نزول نسب البطالة إلى 12 بالمائة رغم الظروف المذكورة في خانة التحديات
وثامنها تحقق نسب عالية في السكن الذي ارتفع من 47 إلى 60 بالمائة علما أن مستهدف الرؤية 62 بالمائة مما يدفع إلى تعديل المستهدف بسقف أعلى وجدير بالذكر جهود شركة روشن البديل التسريعي للإنجاز.
وتاسعها نمو صندوق الاستثمارات الوطني الذي أصبح لاعبا أساسيا في جهود التنمية وتطور القطاع الخاص وإنجاح مبادرة شريك وغير ذلك من مجالات التدخل نمو صندوق الاستثمارات العامة الذي يقدر بـ300 بالمائة ويتوقع له أن يكون متناميا أكثر بـ200 بالمائة في السنوات القادمة هذا المكسب الإجرائي والتمويلي الذي وفر سلاسة تمويلية رصيده الآن 1.5 تريليون ويصل في 2025 إلى 4 تريليونات مما يحتم تعديل المستهدف لـ2030 الـ7 تريليونات بسقف أعلى 10 تريليونات مع تعديل مساره بعد الرؤية حيث من المخطط له أن لا تتجاوز تمويلاته الـ2.5 بالمائة حفاظا على سيرورته.
عاشرها تنويع مجالات الرؤية لتشمل كل المجالات من سياحة وصناعة وفلاحة وتعليم وغيرها من مجالات الاقتصاد والتنمية حتى يكون التغير المجتمعي متكاملاً ووفياً للرغبة في توفير الرفاه المأمول.
هذه المتحققات وغيرها التي يضيق عن ذكرها المجال قدمها ولي العهد لمتابعي الرؤية بشكل يعكس مدى الطموح الذي يحدو القيادة في بناء دولة يخرج اقتصادها من النمط الكلاسيكي المعتمد فقط على الموارد الطبيعية المألوفة مثل البترول إلى اقتصاد ديناميكي ينبني اعتماده على كل الفرص الاستثمارية المتوفرة وحتى الفرص الاستثمارية المفعلة للبترول ونعني الصناعات التحويلية المعاصرة والتي تعطي قيمة سوقية أعلى وقيمة نوعية أكثر إبداعية وهذا وغيره يحتاج إلى تحصين الرؤية، وتحصين الرؤية نعني بها حماية منجزاتها ومكاسبها قصد الانطلاق إلى السرعة القصوى وتحصين الرؤية يتطلب تحديد الإجابة المعينة على سؤال أنا الآن هنا وهو ما تطرحه كل دولة ذات شأن خاصة وأن المشهد الجويسياسي زئبقي ولا يقر له قرار وقد تعصف بمساره وخطه السائد حركة انتخابية وفوز حزب ما بانتخابات دولة مؤثرة من حجم أمريكا فتتغير الخارطة وفقا للمصالح المحينة لأن العالم المعاصر ليس عالم القبيلة الذي تحكمه المشاعر وإنما عالم الكيانات الكبرى الذي تحركه المصالح فكما كانت المملكة لا تعتمد في اقتصادها الا على النفط وتنامت رؤيتها إلى اقتصاد ديناميكي متنوع فإن تموقع المملكة الجيوسياسي لن يكون اصطفافا وراء كيان بعينه لأنها أصبحت برؤيتها وشعبها وقيادتها الرشيدة يصطف خلفها ولا تصطف إلا خلف مصالحها وتلك هي البراغماتية الخلاقة حيث إن لها مصالح مع الولايات المتحدة ومع روسيا ومع الصين ومع أوروبا ومع الهند ومع دول مجلس التعاون الخليجي ولها مصالح مع مختلف دول العالم الإسلامي والعربي والإنساني وحتى إيران الجارة والتي سببت الكثير من الأذى لأجوارها لا مانع من فتح صفحة جديدة في سياق المصالح المتبادلة فالمملكة العربية السعودية هي مدرسة التسامح لذلك قدرها أن تكون ضمن نادي الكبار من دول العالم وخير تحصين للرؤية الحرص على أن تكون بيئة الجوار آمنة لأنه من حق الأجيال القادمة أن تعيش التسامح والتصالح والسلام الشامل وهو أفضل بيئة استثمارية فلا تتدخل المملكة في شؤون الآخرين ولا تسمح لمن يحاول التدخل في شأنها احتراماً لميثاق الأمم المتحدة وكل الأعراف الدولية.
هنا نصل إلى الركن الرابع من المربع الاتصالي وهو ما ذهبت إليه كايت هنبرغر بـ»لمن نتوجه بالخطاب» على قاعدة «أكلمكم جميعا وأخاطب بعضا منكم وآخرين» فاللسانيات الألمانية المعاصرة أضافت إلى الدرس اللساني الحضور ومن نتوجه إليه بالخطاب وهو ما تجاوز الطرح السوسيري الذي يحصر الحلقة التواصلية بين باث ومتقبل.
ولو عدنا لقراءتنا التي أردنا أن لا تكون أفقية بل عمودية نجد المتوجه إليهم في اللقاء كثر فولي العهد يخاطب محاوره المبدع عبدالله المديفر ويحاوره بضمير المخاطب وهذا مستوى أول وفي نفس الوقت ينظر إلى الكاميرا ليتوجه لمن يصلهم بث الفضائيات من المواطنين السعوديين كالإشارة إلى معدلات البطالة وآفاق الإنجاز ورسائل الطمأنة وشعوره تجاههم ومحبته لهم خلال التعرض لمسألة الضريبة مثلاً، وهذا مستوى ثان ويستعرض جهود فريق العمل ومؤشرات تقييم الأداء وهي رسالة لفريق العمل بمختلف دوائره لتكثيف الجهود والمرور إلى السرعة القصوى، وهي رسائل تحفيزية وهذا مستوى ثالث ويتوجه لمستهدف لا ينطق لغة منشئ الخطاب وهنا يتوجه لأمريكا طارحا إطار العلاقة البراغماتية التي تتماشى مع مصالح المملكة ويتوجه إلى روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي والهند بأن خط سير قافلة السياسة الخارجية السعودية سنكون بهذا التوجه وهذا مستوى رابع ويتوجه لبلد له معه تحديات حيث أرسل رسالة مباشرة لإيران بأن لا مانع في بناء علاقات جديدة أساسها المصالح المشتركة، وهذا مستوى خامس وتوجه لليمنيين وتحديداً للحوثيين وتحدث عن المشترك بينهم وبين إخوانهم اليمنيين، حاثاً إياهم على الجنوح إلى السلم والانخراط في البناء المجتمعي لبلدهم عوض تدميره، وهذا مستوى سادس وتوجه إلى من يصطادون في المياه العكرة بأن السعودية دولة اعتدال أساس تشريعها القرآن ولا مجال للتطرف فيها وهذا مستوى سابع وتوجه للمستثمرين الأجانب بأن القادم أفضل على جميع المستويات، وهذا مستوى ثامن وتوجه لمن اعتذر عن ذكرهم حتى لا يتأثر السوق وهي تقنية الإحضار بالتغييب وهذا مستوى تاسع وتوجه لمن لا يرون إلا نصف الكأس الفارغة بمؤشرات وحقائق ليقول لهم القافلة تسير وبالسرعة القصوى وهذا مستوى عاشر.
وفي الحقيقة هو توجه لأكثر وأكثر مما لا نعرفهم وخاصة من أجيال المستقبل ليقول لهم الرؤية لن تنتهي في 2030 وإنما ستبدأ رحلتها القادمة نحو أهداف أخرى ومتحققات أوسع أفقاً.