وفاء سعيد الأحمري
هناك برمجة سائدة في الوعي العام تردد مقولة «ان تحكم عقلك دائماً لا تترك لقلبك القرار»، وأنا لست من أنصار البرمجة الجمعية في العديد من الأمور، واتبع قاعدة افعل ما يفعله الواحد بالمئة من البشر فالندرة تفرد والتفرد تميز ، فعندما نكون في بيئة يوجد فيها مسلمات وفرضيات متوارثة، فهذا يعني أننا نحكم على عقولنا وحياتنا أن تعيش في قولبة معدة مسبقاً، بينما نحن نحتاج إلى أن نفكر ونترك للعقل البشري أن يحطم هذه القوالب، بل قد يكون هذا النوع من التفكير هو التفكير الصحيح.
هناك أيضاً من رسَّخ مفهوم فكرة الحواس الخمس التي قيدت بها قدراتنا وهي برمجة أيضاً لا واعية متوارثة، لأنه لا يمكن حصر قدرات الإنسان الحسية في خمس حواس، مثلا صوت القلب هو احد هذه الحواس التي يتمتع بها الإنسان وإعجاز خلق الله في البشر، أو ما يسمى الحدس ومصدره إحساس القلب، علميا هناك دراسة من العالم (Armour) عام 1991 ذكر فيها أن القلب يحتوي على أربعين ألف خلية عصبية بنفس مواصفات الخلايا العصبية في الدماغ، بما يعني أن القلب دماغ صغير مستقل تماماً عن العقل بنظامه الخاص وأفكاره المستقلة بل بتحليله الخاص، كما ذكر ذلك أيضاً العالم غريغ برادن (Gregg Braden).
في القرآن الكريم ذكر الله القلب بأنه العقل الصغير في عدة مواضع منها: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا) فكان القلب في هذه الآية مصدر الفهم والتفقُّه، بينما ارتبط القلب مباشرة بمصدر القرارات العقلية الصائبة في الآية: (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)، وكان أيضاً مركز الوعي السامي هو القلب وليس العقل كما الآية الكريمة (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ)، بل إن القلب إذا فقد حدسه وإيمانه يؤثر في قراراته استنادا إلى الآية: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم)، إذاً القلب هو مصدر الوعي والعقل والإيمان والمسؤولية والحدس والمشاعر، القلب مصدر الكيان الروحي والعاطفي، القلب مركز جوهر الإنسان.
قد يتبادر إلى ذهنك أنه إذا كان هناك صوتان من العقل والقلب كيف تفرِّق بينهما، كن متأكداً أن قرارات قلبك دائماً منسجمة ولا يوجد فيها تبريرات أو مخاوف، بينما عقلك يضع فرضيات وترددات في القررات ومبرمج ويتبع الوعي الجمعي عادة في وضع عراقيل وتفسيرات قد لا تكون صحيحة، بينما قرار القلب يقودك بشكل صائب إلى المناسب لك، بشرط أن تكون لديك مهارة القدرة على إصمات الأفكار المزدحمة التي مصدرها الدماغ، العقل هو مكان النظريات العلمية والرياضية المعقدة، وهو أيضاً مخزون الذاكرة من المخاوف والخبرات السابقة التي من خلال قرارات العقل سوف يبقيك في منطقة الراحة المألوفة لديه، بينما القلب لا يخضع للفوضى ولا يقيده الخوف والألم، دماغ القلب الصغير هو مصدر الصوت الذي تحاول إصماته وتجاهله دائماً بينما هي في الواقع خير معين وخير مستشار .. قلبك هو الكيان الجوهري وخزان الفرح والرحمة اللامتناهية التي في داخلك، يقول - روبرت بولوير ليتون (إن القلب الطيب خير من كل رؤوس العالم، « صوت قلبك هو من يعمل عادة كمرشد لذاتك الحقيقة المتجردة من الإيقو والذات الزائفة، ستكون في مستوى وعي عالٍ وسعادة عندما تفهم وتعرف هذا الصوت الداخلي من قلبك الصغير، لكن قلة من تكون لديهم مهارة التميز بين الصوتين، وأيضاً يحتاج الشخص إلى أن يعرف كيف يصمت تشتت الأفكار ويتدرب أن يهدأ ويركز ويستمع إلى مرشده الداخلي في دماغ قلبه لعيش بانسجام وتناغم في حياته.
** **
محاضر بجامعة الأميرة نورة - باحثة دكتوراة - المملكة المتحدة