عادل علي جودة
قبل الشروع في وقفتي أشير إلى مقالي المنشور بتاريخ 27 يناير 2021م تحت عنوان «كورونا ولقاح فايزر»، أوثق به رحلة التطعيم التي قمت بها لأخذ الجرعة الأولى من لَقاح فايزر في «مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض»؛ إذ حَسِبْتُ أنني دونت في ذلك المقال شيئًا يُذكر حيال ما لاحظته من تنظيم شامل لا نظير له على مستوى المعمورة بأسرها؛ إذ بدا الأمر وكأنه عرس كبير لمختلف فئات المجتمع دونما تمييز في اللسان، والجنس، واللون، والمعتقد. لقد جرت الأمور على نحو عالٍ من الراحة والطمأنينة؛ محطات إرشادية شبابية متتابعة ابتداءً من لحظة دخولك البوابة الرئيسة، حتى لحظة خروجك منها، مروراً بمسارات واضحة لمواقف السيارات القريبة، تبعد ما يقارب مائتي خطوة عن مقر التطعيم، ومع ذلك تم تأمين سيارات مكشوفة أنيقة، تقل في الذهاب أربعة ركاب من غير القادرين على المشي، وكذلك في الإياب، ثم ممرات سير محاطة من الجانبين بسلسلة تأخذك إلى باحة استقبال متعددة المكاتب، تختار منها أنّى شئت، فتستقبلك إحدى الصبايا، وتصطحبك إلى استراحة قصيرة، ثم إلى مرحلة التطعيم التي لا تستغرق أكثر من دقيقتين، ثم إلى استراحة خاصة لمدة خمس عشرة دقيقة للاطمئنان على سلامتك والقيام بواجب الضيافة تجاهك، وبانتهاء وقت الضيافة تتجه إلى بوابة الخروج لتجد صبية أخرى تودعك بوردة جورية بيضاء مصحوبة بنظراتٍ محملة بأماني السلامة والأمان.
وفي مساء الأمس القريب الأحد 26 إبريل 2021م اصطحبت غاليتي؛ رفيقة دربي وأم أولادي (نعمة)، إلى المقر نفسه لتأخذ جرعتها الأولى من لَقاح فايزر، وقد كان المسار أمامي مزدحمًا بالسيارات، وفور دخولي بوابة مركز المعارض أخبرت أحد منظمي حركة السير بأن زوجي لا تحتمل السير على قدميها؛ وأحتاج إلى كرسي بعجلات أقودها به إلى صالة التطعيم، فأرسل إلى قلبي ابتسامته الندية، وسار بمحاذاتي، وما إن وصلنا منحنى الاتجاه الإجباري إلى جهة اليمين راح يرفع الحواجز البلاستيكية، ثم جاءني يقول: «تفضل بالدخول، وسر إلى نهاية المسار ثم اتجه يمينًا حتى تصل المواقف المخصصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وهناك ستجد من يخدمك كما تحب». ولمَّا وصلت تجدد الذهول لدي؛ إذ إن الجمال والروعة في ازدياد مطرد، وعبارات الترحيب يغلفها الذوق والأداء، ترافقه المهنية العالية.
وفي صبيحة اليوم التالي وصلني أحد إصدارات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وهو - كما ورد في العنوان أعلاه - عبارة عن تقرير يرصد «الاستجابة السعودية لوباء كورونا» حتى نهاية مايو 2020م، ويقع في تسع وعشرين صفحة من القطع الكبير، خُصصت الصفحات السبع الأخيرة منها لسرد المراجع التي استقيت منها المعلومات. والذي أعد هذا التقدير هو الباحث «فريدي نيف» «ماجستير في قضايا الأمن الدولي»، وهو محلل الشؤون الدولية والإعلام في «شركة بال مال للإعلام والاتصال»، وهي شركة اتصالات استراتيجية متخصصة في الاتصالات الدبلوماسية والاتصال بين الثقافات.
اشتمل هذا التقرير على عدد من العناوين العريضة، واتسم بالإيجاز في التفاصيل، وبالخوض مباشرة في سرد الحقائق في نقاط سريعة.
جاء في التمهيد أن المملكة العربية السعودية تعاملت مع هذا الخطر بجدية فائقة منذ بداية الفيروس في دول أخرى؛ أي قبل ظهور الحالة الأولى في المملكة التي كانت لمواطن من سكان القطيف قادمًا من إيران بتاريخ 2 مارس 2020م، فاتخذت قرارات وإجراءات عدة للتصدي له محليًّا وخارجيًّا. وأشار التمهيد كذلك إلى أن المملكة استفادت من تجربتها مع مكافحة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MARS) عام 2012م، فكانت الجاهزية لديها حاضرة لمكافحة كورونا. وجاءت الإشارة كذلك إلى أن المملكة استشعرت حجم الأثر السلبي المترتب على تنفيذ الإجراءات الاحترازية من قِبل المواطنين والشركات، فقامت بتنفيذ مجموعة واسعة من إجراءات التحفيز الاقتصادي لحمايتهم، فرفعت سقف ديونها إلى 50 % من ناتجها الإجمالي المحلي لمساعدة ساكنيها، وقدمت ضمانات لتغطية 60 % من مدخول كل مواطن، وسمحت لأصحاب الأعمال بتأجيل دفع ضرائب القيمة المضافة والإنتاج والدخل لمدة ثلاثة أشهر، ورصدت لهذه الإجراءات باقة دعم بلغت 47 مليار دولار.
وتحت عنوان «قيود الحركة والتباعد الاجتماعي» أبرز التقرير حجم الجدية التي اتبعتها المملكة في إلزام الأفراد كافة من مواطنين ومقيمين بتطبيق الإجراءات الاحترازية، فعلى سبيل المثال أصدرت قرارًا بمعاقبة مَن ينتهك حظر التجول بغرامة مالية قدرها 100 ألف ريال (26.617 دولارًا)، أو السجن لمدة لا تزيد على سنة، أو كليهما معًا، مع مضاعفة العقوبة في حال التكرار، وغرامة مالية 1000 ريال لمن يتهاون في ارتداء الكمامة.
وتحت عنوان «العمالة الوافدة» أشار التقرير إلى أن المملكة وفّرت الرعاية الصحية المجانية لجميع الوافدين المصابين بفيروس كورونا، بمن في ذلك العمالة الوافدة المخالفة لتصاريح الإقامة، وحوّلت 3445 منشأة مدرسية إلى وحدات سكنية مؤقتة للعمالة الوافدة، ووفرت لها أكثر من 250 ألف مساحة سكن للإيواء المؤقت تخفيفًا للاكتظاظ.
وتحت عنوان «الجهود الإنسانية» تطرق التقرير إلى المبالغ الكبيرة التي تبرعت بها المملكة في إطار جهودها الإغاثية الدولية لفيروس كورونا؛ فهناك 150 مليون دولار تعهدت بها المملكة لتحالف ابتكارات التأهب الوبائي (CEPE)، و150 مليون دولار للتحالف العالمي للتطعيم والتحصين (Gavi)، و200 مليون دولار للمنظمات والبرامج الصحية الدولية والإقليمية الأخرى، إضافة إلى جهودها التنسيقية مع الجهات الدولية الفاعلة، واستخدام مكانتها كرئيس لمجموعة العشرين للمساعدة في تحصيل 8 مليارات دولار لمكافحة وباء كورونا وفقًا لما حددته منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي. وهناك مبادرات إنسانية أخرى تتمثل في التبرع بـ30 ألف قناع من نوع (KN95) لفرق الإسعاف في هيوستن الأمريكية. ومساعدات طبية للصين تمثلت في 30 جهاز تهوية غير جراحي، و277 جهازًا لمراقبة حالة المرضى، و500 مضخة تسريب، و89 جهازًا لإزالة الرجفان، و60 جهازًا للموجات فوق الصوتية، و3 أجهزة لغسيل الكلى. وبكل تقدير واعتزاز تضمنت تلك المساعدات دعمًا خاصًّا قدره 2.66 مليون دولار لدعم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة مؤازرة منها لجهود التصدي لجائحة كورونا.
وقد تضمن التقرير ملحقًا تحت عنوان: «التسلسل الزمني للاستجابة السعودية» متضمنًا بالتفصيل ما اتخذته المملكة من إجراءات احترازية، وما قدمته من دعم ومساندة، وما تعهدت به من باقات مالية تحفيزية، وتوقيع اتفاقيات مع جهات دولية مختلفة، إضافة إلى ما اتخذته من خطوات اقتصادية تنظيمية في مختلف المجالات، الصناعية، والزراعية، والصحية، والتعليمية.
الواقع إن التفاصيل التي حملها التقرير بين غلافيه كبيرة ومتشعبة وعميقة، لكن مساحة النشر تحول دون التمكن من الوقوف إزاء ما تضمنه كافة من عناوين وحقائق، وكلها في عالية من الأهمية. وليعذرني قارئي الكريم إذ جاءت وقفاتي سريعة جدًّا ومختزلة جدًّا، احترامًا لمساحة النشر، ويقينًا مني بأن هذا المقال سيأخذ القارئ الكريم إلى حيث يمكنه الحصول على نسخة من هذا الإصدار القيم.
وأختم مؤكدًا أن مثل هذا التقرير يوثق فصلًا مهمًّا من حكاية أرض مباركة، وبيت جعله الله آمنًا، ورزق أهله من الثمرات، وقيادة حكيمة، وشعب أصيل. أقول هذا وأستشعر جوارحي كلها تبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لهذه الديار قيادتها، وأهلها، وخيراتها، وأن يديم عليها نعمة الأمن والطمأنينة والأمان.
والحمد لله حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. وصلاة ربي وسلامه عليك يا حبيبي يا محمد يا رسول الله.
** **
- عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين