منال الخميسي
في الرابع والعشرين من يونيو عام 2018 قادت المرأة السعودية رسميًا وقانونيًا -لأول مرة في تاريخها- سيارتها وانطلقت بحرية واحترام ومساندة من الجميع عبر طرق بلدها لتذهب إلى أي مكان شاءت بلا قيد أو شرط، تحول تاريخي نعمت به النساء السعوديات في هذا القرن لطالما حرمت منه كثيرات عبر السنوات الفائتة. هذا التحول التاريخي صاحبته حملة إعلامية ناجحة سبقت وواكبت البدء في تنفيذ هذا القرار، وهو ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
حملات إعلامية وإعلانية ناجحة سبقت قيادة المرأة السعودية، وضعت في الشوارع وعبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي عبارات تحفيزية وطمأنة للمرأة وإعداد غاية في الروعة للمجتمع لاستقبال هذا الحدث، وأنه لابد وأن يدعم الجميع الأخت والبنت والأم والزوجة في هذه الخطوة المهمة، وأيضًا التحذير من التقليل منهن أو احتمال ولو قليل من محاولات المضايقات أو العرقلة. هذه الحملات شاركت فيها مختلف مؤسسات المملكة العامة والخاصة، عكست وبوضوح مدى تقدم ورقي هذا البلد بكل أطيافه، فتقدم الشعوب ورقيها لا يقاس بالكلمات ولا الشعارات وإنما بالفعل على أرض الواقع.
الحملات الإعلانية والإعلامية في المملكة ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها تُدار بحرفية عالية تعرف أهدافها جيداً وتعلم من أي الأبواب تدخل لجمهورها وأي سبل الإقناع لابد وأن تستعملها وتستغلها، كان خير مثال على نجاحها التحول السلس والهادئ نحو قيادة المرأة لسيارتها مما قد يظن من يزور المملكة لأول مرة أن النساء تقدن منذ عقود وليس من بضع سنوات. الأمثلة على الحملات الإعلامية والإعلانية كثيرة وسيسأل القارئ ما الفرق بين الحملات الإعلامية والإعلانية؟
الفرق ببساطة شديدة هو أن:-
الحملات الإعلامية تستخدم من أجل الترويج أو التعريف بفكرة ما تريد الدولة أو المؤسسة أن تُعرف بها ويتبناها الجمهور المراد الوصول إليه، أما الحملات الإعلانية فهي:- تستخدم الوسائل والإيضاحات والتقنيات من أجل التعريف بسلعة جديدة أو فكرة أو حتى مادة ثقافية كالكتب أو الصحف. والآن ما يعرف بالمواقع الإلكترونية والصفحات الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعية يهدف أصحابها لجني نوع من الأرباح المادية أو المعنوية، وعندما تجتمع الحملتان الإعلامية والإعلانية على هدف واحد وبتنظيم وتناغم ودراسة قوية للمجتمع ولجمهوره فإنهما يحققان وبنجاح الهدف الذي وُجدا من أجله.
العديد والعديد من الحملات الإعلامية الخاصة بالقضايا الشائكة التي تعرضت لها المجتمعات العربية كالإدمان والعنف ضد المرأة والطفل والتعريف بالأمراض التي قد تواجه أفرادًا من المجتمع ولا ينتبهون إليها إلا بعد التعرض لوسائل الإعلام مما يشكل زيادة في الوعي الصحي، كذلك التعريف بالواجبات تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة وكيفية التعامل معهم كشريك قوي ومؤثر في المجتمع من أعظم ما تم على الإطلاق في مجال الحملات الإعلامية، وما تواجهه الآن المجتمعات العربية من تحدي فيرس كورونا وتباين الأدوار التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية في التوعية بصورة متوازنة وبمصداقية ضد هذا الوباء.
كثير من البلدان افتقدت المصداقية في هذه الحملات عبر من يقوموا بها، حيث إنهم لا يقدمون النموذج والقدوة، وهم يتحدثون عن أضرار عدم التباعد وضرورة ارتداء الكمامات، وهم لا يقومون بفعل هذا السلوك أمام الكاميرات أو خلفها في الحياة العادية، وقد يراهم الجمهور العادي قدوة في عدم الالتزام وبالتالي تفشل حملاتهم التوعوية لأنهم لم يكونوا مؤمنين بما قدموا من أفكار. ودول أخرى نجحت وبشكل جاذب للانتباه في الوصول إلى نمط سلوكي منظم وجهد عالي الدقة في التصدي لتلك الجائحة، وخير مثال على ذلك ما تقوم به المملكة السعودية من جهد بالغ وحملات منظمة وجادة في التصدي لهذا الوباء، ويرى الكثيرون هذا النجاح جليًا لا يدع مجالاً للشك من خلال التطبيقات والبرامج والمنشورات واستخدام جيد لوسائل التواصل من أجل تعريف أطياف المجتمع كافة على اختلاف ثقافاتهم، وكذلك من يعيشون ويقيمون من غير السعوديين، وتثقيفهم صحيًا وبالتالي قدرة كاملة على تخطي تلك المرحلة الحرجة.
استخدام منطق المساواة وعدم التحيز والعنصرية في إرسال المعلومة والاهتمام بكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة أثرى تلك الحملات وشعر الجميع أن من واجبهم الحفاظ على مجتمع يحتضنهم جميعًا ويشعر بالمسؤولية تجاه الكل، عكس مجتمعات ودول أخرى لم تتعامل بحرفية كما تعاملت المملكة العربية السعودية مع هذا الأمر الجلل، فكان لها السبق في العودة للحياة الطبيعية بمسؤولية وحذر من جميع من يعيشون على أرضها الطيبة.
والتخطيط الجيد لإيصال ما تريد قوله أو فعله أو إقناع مجتمعك به شيء غير يسير، فالمجتمع يتكون من أفراد لا يتماثلون في التفكير ونمط المعيشة والتوجهات ودرجات الثقافة وتزداد الصعوبة في اختلاف اللغات واللهجات.
التميز إذاً يحدث عندما تتقن أيها القائم بالرسالة الإعلامية حبكة الرسالة ودقة الدراسة والبحث والتجارب العديدة قبل أن تقوم بحملتك على الوجه الأكمل، فالدول القوية والمؤسسات المؤثرة فقط هي من تجيد استخدام هذه الحملات وتطويع الوسائل كاقة والإمكانات المتاحة لتحقيق أهدافها.
فعند رصد مشكلة أو قضية يتكون لدى الدولة هدف، ومن أجل تحقيق الهدف لابد من التخطيط الدقيق وتحديد الشرائح التي تريد الوصول إليها، وكذلك تحديد مدى الصعوبة في إقناع الفئات داخل هذه الشرائح، واستخدام العوامل المتاحة المساعدة في إنجاح إيصال الفكرة أو القضية المراد لفت نظر أفراد المجتمع إليها، وكذلك تحديد أي من الوسائل سوف تستخدم ومدى تأثر الجمهور بها، بمعنى أنه عندما نريد هذه الأيام إيصال فكرة أو إقناع فئة ما من غير المنطقي أن نعرضها على شاشات التلفاز فقط أو عبر صفحات الجرائد، وإنما نستخدم ما هو أسرع وأوقع الآن وهي وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها التي تستخدمها حاليًا الصحافة وقنوات التلفاز في محاولة انتشارها، وتتسابق لأن يكون لديها أكبر عدد من المتابعين ولم يعد يقتصر الأمر على استخدامها من جانب الأفراد فقط وفي الوقت تفسه هي أقل كلفة وأوسع انتشارًا.
ومن السهل التحكم في الفترة الزمنية المراد إيصال الفكرة أو المعلومة أو النصائح من خلالها، ومن السهل في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أن المؤسسة أو الكيان أو الدولة تستطيع أن تتعرف وبسهولة على رد الفعل من جانب الجمهور فتعدل أو توجه أو تعيد تشكيل وصياغة الرسالة بصور أفضل وبطرق أسهل وبالتالي تقيم الرسائل داخل الحملة الإعلامية أو الإعلانية بصورة ترضي المرسل والمتلقي في آن واحد.
والحياة في مجتمعاتنا العربية والدولية هي عبارة عن عملية إعلامية متكاملة لا تستطيع أن تحيا دون أن تكون طرفًا من أطرافها فاعلاً ومتأثرًا صاحب رسالة ومتلقيًا لها كلنا يرسل رسائل وكلنا يريد أن يقول كلمه، ولكن القليل منا من يؤثر وتكون له الكلمة العليا ولا يتوفر ذلك إلا بالدراسة والغوص داخل مجتمعنا الذي نعيش فيه وفهمه جيدًا احتياجاته ورغباته ومن ثم مخاطبته والتأثير الجيد فيه ومن الممكن أن نتعداه ونؤثر في المجتمعات حولنا لأننا إذا فهمنا مجتمعنا جيدًا ستصل رسالتنا بصدق والصدق دائمًا يتعدى الحدود ويخترق الأزمنة والمسافات، والدولة أو الكيان أو المؤسسة التي تعي ذلك جيدًا وتخطط له هي فقط التي تصل وتؤثر وتنجح في إيصال أفكارها وترقى بمجتمعها وتبقي على مكانتها بل وتعلو بها. تجربة المملكة العربية السعودية في إطلاق الحملات الإعلامية ونجاحها في التعريف بكيفية التعامل مع القضايا الطارئة وتغيير عديد من المفاهيم الخاطئة وإثراء الوعي لدى أفراد المجتمع بحرفية بالغة وتجاوب الجمهور المراد وصول الأفكار.
والرسائل إليه بصورة واضحة لابد أن تدرس في أكاديميات الإعلام وخدمة المجتمع كمثال واضح على التخطيط الجيد والاستفادة من الإمكانات وتحديد الأهداف والنجاح في إيصال الفكرة بما يتناسب وثقافة المجتمع وتنوع واختلاف شرائحه ولهجاته بمساواة وصدق وموضوعية بما يعني توافر الأركان الخاصة بنجاح الحملات الإعلامية لدى المملكة العربية السعودية.