منال الخميسي
بين مستهلكة وفي بعض الأحيان مُهلكة لميزانية بيتها وبين مروجة ومعلنة عن سلعة أو خدمة يزداد نشاط المرأة في وسائل الإعلان بطريقة هائلة وخاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية.
ولم لا فهي من أهم أعمدة الأسر والشركات وحتى وسائل الإعلام بل والإعلان تمتلك معظم سيدات الوطن العربي موهبة التسوق والاختيار بين السلع المختلفة والخدمات التي تساعدها في تلبية احتياجات منزلها وأسرتها وتعتبر كثيرات التسوق نوعاً من أنواع الترفيه وقضاء الوقت في التنقل بين الأسواق لاستكشاف كل ما هو جديد.
المرأة عنصر هام في العملية الإعلانية لا يمكن إغفال أو غض الطرف عنه ولذا يتوجه إليها المعلنون بشتى الطرق والوسائل لتحفيزها على اختيار منتجات الشركات والخدمات التي يعلنون عنها، ويجد البعض أن خير من يقنع المرأة هي إمرأة مثلها تعرف توجهاتها وتتلمس رغباتها الشرائية وما تميل إليه معظم النساء في العملية الشرائية، والمعلن الذكي هو الذي يختار امرأة من نفس البيئة الاجتماعية المراد الوصول إليها إضافة إلى كونها مثقفة وعلى دراية أكاديمية كافية بما يفضلنه النساء في ذلك المجتمع وتلك البيئة فيحقق غايته ويصل إلى هدفه بنجاح.
قد يشكل التعرض لكثرة الإعلانات في المجتمع الشرقي إلى وجود نوع من تغذية السلوك الاستهلاكي لدى الكثير من نساء الوطن العربي وخاصة إذا كُن على قدر محدود من الثقافة أو قدر غير كاف من التعليم يسهل انقيادهن وراء كل ما يرونه جديداً ظناً منهن أن الأشياء المادية وخاصة الثمينة منها من الممكن أن تضيف إليهن نوعاً من التميز أو القوة الاجتماعية أمام قريناتهن في نفس البيئة ونفس المجتمع فتصبحن مهلكات بقدر كبير لمواردهن المادية وفي بعض الأحيان تصلن بأسرهن لمستوى اقتصادي محدود وخصوصاً إذا كان الدخل متأثراً إلى حد ما بالعوامل الاقتصادية العالمية وبما ترتب على انتشار وباء كورونا الجديد وانعكس بشكل كبير على رواج السلع والقدرة الشرائية من جانب المستهلك أو القائم بعملية الشراء.
هناك بعض النساء لا تكترث بهذا التطور الخطير وتصر على متابعة نشاطها الاستهلاكي الذي قد ينذر بعواقب اجتماعية لا يحمد عقباها فيما بعد، كذلك الشركات الإعلانية لا يهمها سوى النجاح في التسويق للمنتجات التي تعلن عنها مهما كانت الطريقة ومهما كان الأسلوب فلابد أن تكون هناك حملات تثقيفية للمرأة على اختلاف مستوياتها الاجتماعية تعمل على لفت نظرها للتغيرات الاقتصادية العالمية الجديدة وكيفية الحفاظ بقدر الإمكان على الاعتدال في التعامل مع كل ما يعلن عنه واختيار المناسب فقط لاحتياجاتها ومواردها.
نأتي لأمر آخر وهو اختيار القائمات بالإعلان في الوطن العربي واللاتي لابد وأن يتم اختيارهن بطريقة غاية في الدقة وليس كما هو موجود في بعض البلدان فتكون المعلنة أداة في بعض الأحيان غير لائقة ولا معبرةً عن المستوى الثقافي والفكري للمجتمع الذي تخاطبه وخصوصاً في ظل الانتشار السريع للقنوات الفضائية ومقاطع الفيديو فتستخدم المرأة كسلعة للترويج لسلعة بما يتنافى مع تقاليد وعادات مجتمعاتنا العربية وبالتالي عزوف الكثيرين حتى عن مجرد النظر لما يتم الإعلان عنه من سلع أو خدمات.
تستجيب السيدات للمعلنة التي تشعر أنها تمثلها تتحدث بطريقة بسيطة تفهمها النساء من كل الطبقات الاجتماعية وتطبق كل قواعد الإعلان الصحيح وتحقق المصداقية العالية.
فمن غير المعقول أن تقنع امرأة تربت على عادات وتقاليد محافظة قادرة على التمييز بين ما هو جيد ورديء من التصرفات أن المثال السيء الذي يعلن هو من يمثلها ومجتمعها وبالتالي الاختيار الجيد للمعلنة يضاعف من فرص نجاح العملية الإعلانية ككل وخاصة إذا ما شعر المتلقي أو المتلقية بنوع من إسداء النصح والصدق فيه واعتماد البراهين الصادقة غير المفبركة فمن الضروري بناء نوع من الثقة اللا محدودة بين المعلن والشخص الذي يوجه إليه الإعلان.
فكلما كان الإعلان قريباً من الحياة اليومية للمرأة العربية كلما كان وقعه عليها أصدق وتأثيره أعلى. الإعلان في وسائل الاتصال المختلفة علم قائم بذاته يجب على كل من يريد الدخول والنجاح فيه أن يكون ملماً بكافة أركانه وقواعده دارساً لظروف وعادات واهتمامات الأشخاص فيه واختلاف الطبقات والتعامل مع العملية الشرائية بحرفية، ومن ثم يقدم محتوى يهم الجميع ويلقى ترحيباً بداية من أول ثانية إلى القيام الفعلي بعملية الشراء أو الاقتناع بما يتم تقديمه من فكرة أو قضية.
علم الإعلان مجال شيق ولكنه غاية في الصعوبة من حيث القدرة على تحمل المسؤولية المجتمعية، فالمجتمع يريد من يقوم بالإعلان أن يكون مسؤولاً عن الحفاظ على المبادئ والقيم الدينية وألا يكون متسبباً في هدمها وإحلال أفكار شاذة أو سيئة يتم جلبها من مجتمعات لا تؤمن بالحياة الأسرية أو المجتمعية الناجحة ولا تعترف بالقيم الدينية.
المسؤولية كذلك تقع على المتلقي أو المتلقية والتي يجب على مختلف الهيئات الاجتماعية والتربوية تحصينها جيداً ضد أي فكر متطرف أو أفكار تهدم ما تربت عليه من مبادئ وقيم كذلك المسؤولية تقع على الأسر في تربية بناتهن على الوعي وحسن التفريق بين ما تحتاجه المرأة ويحتاجه بيتها وأبناؤها وبين مجرد الشراء والإسراف غير المبرر بحجة أنه يريح الأعصاب ويحسن الحالة المزاجية أو أنه عندما تشاهدها قريناتها تتسوق وتبالغ في الشراء أن هذا سوف يزيد من مكانتها ويعلي من قدرها، وأنه لابد وأن تنظر المرأة لعملية التسوق بطريقة أكثر حضارية ورقي تبعد بها عن القالب الاستهلاكي غير الهادف، هناك عوامل أخرى تسعد النفس وتعلي القدر وتزيد من الاحترام أولها تحمل المسؤولية تجاه البيت بكل ما يجمع من زوج وأبناء أو والدين وأشقاء والاهتمام بأن تكون المرأة منتجة لأي شيء بداية من الأشياء المادية التي تتمثل في العمل وجني الربح أو حتى تربية الأبناء والمشاركة في تثقيف وتنوير الغير بالأفكار والمبادئ والقيم.
مسؤولية المرأة عظيمة تجاه بيتها ومجتمعها لا يجب أن تلخصها فقط بالاهتمام بكل ما هو جديد من السلع، مسؤوليتها أن ينظر لها الجميع باحترام عندما تكون قائمة بدور المعلنة في أن تعرض السلعة ولا تكون هي السلعة وألا يكون جُل اهتمامها كمتلقية هو ما يفيدها لا اللهث وراء كل ما يجد وهو أولاً وأخيراً مجرد سلعة!