د. محمد بن يحيى الفال
من الأقوال الشائعة مقولة رب صدفة خير من ألف ميعاد، وهو الأمر الذي رأيناه ماثلاً أمام أعيننا في الأيام الأواخر من شهر أبريل المنصرم، ففي اليوم السابع والعشرين منه أدلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وزير الدفاع بلقاء لبرنامج تليفزيوني بثته عدد من شبكات التلفزيون المحلية والعربية حيث تصادف اللقاء مع الذكرى الخامسة لرؤية 2030، وفي اليوم التالي في الثامن والعشرين تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن لجلسة خاصة مشتركة للكونجرس الأمريكي بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ وذلك بمناسبة مرور مائة يوم على توليه دفة الرئاسة الأمريكية. فحوى المصادفة هو تركيز كل من لقاء سمو الأمير وخطاب فخامة الرئيس على الشأن الداخلي وخصوصاً الشئون الاقتصادية في عالم بدأ يتشكل بعد الجائحة الكونية التي اجتاحت المعمورة والتي أضحى لازماً بسبب تداعياتها تشكيل استراتيجيات فاعلة لدفع عجلة الاقتصاد المحرك الأول لرفاهية وأمن واستقرار الأمم. القراءة المتأنية لكل من اللقاء والخطاب نجد فيها تشابهاً محورياً يهدف اساساً على التأكيد بأن الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد ولتصدق معها عبارة رب ضارة نافعة، فالجائحة رغم فداحتها كانت لها إيجابياتها، فقد وضعت الجميع أمام تحديات غير مسبوقة لم تكن في حسبان الأمم وتركت آثارها في كل مناحي الحياة ليس فقط فيما يتعلق بالاقتصاد بل كذلك في الشأن الصحي والتعليمي والمجتمعي، وهو الأمر الذي نتج عنه ضرورة وحتمية إعادة النظر في كافة المنهجيات والإستراتيجيات التي يدار بها الاقتصاد والذي هو بمثابة الركن الأساسي لكل ما يتعلق برفاهية الدول وديمومة سلمها الأهلي.
حديث سمو الأمير الذي لاقى اهتماماً غير مسبوق من وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية جاء ليضع النقاط على الحروف بأن المملكة وبالرغم من الجائحة ماضية قُدماً في تحقيق أهداف رؤيتها 2030 الهادفة لرفاهية الإنسان والذي تأكد على أرض الواقع بالنتائج الباهرة في مواجهة الجائحة والتي أكدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في خطابه الأول الذي وجهه مع بداية الجائحة للمواطنين والمقيمين، وفي خطابه لقمة العشرين الافتراضية، وحيث أكد في الخطابين بأن سياسة المملكة في مواجهة الجائحة تضع الإنسان فوق كافة الاعتبارات الأخرى، وهو الأمر الذي رآه الجميع رأي العين بخدمات صحية راقية ولقاحات ضد الفيروس وفرت مجاناً للجميع بغض النظر عن كونهم مواطنين أو مقيمين، وشمل الاهتمام بالإنسان كذلك ضخ مليارات من الريالات لدعم مؤسسات وشركات القطاع الخاص التي تضررت من الجائحة. دعم الاقتصاد فيما بعد الجائحة هو أمر مستمر أكد عليه سمو الأمير في اللقاء وبأنه وقبل الرؤية كان حجم الإنفاق في الاستثمارات الداخلية يبلغ فقط 3 مليارات ريال وهو ما تضاعف بشكل استثنائي ليبلغ في عام 2020 ما مجموعه 90 مليار ريال ويتوقع أن يتخطى هذه السنة حاجز 160 ملياراً مع توقع بأن يبلغ رقم الاستثمارات الداخلية حد 400 مليار ريال بحلول العام 2030.
كل هذه الأرقام وكما أكد سمو الأمير سوف يتم ضخها في الاقتصاد المحلي من قبل صندوق الاستثمارات العامة الذي يعد الشريان الرئيسي لنمو الاقتصاد السعودي في الخارج، والذي يتم تفعيل دوره في الداخل بشكل فاعل، وهو الأمر الذي فطنت له الرؤية وذلك لاغتنام كافة الفرص الاستثمارية المتاحة في بلادنا والتي إما لم تستغل تماماً أو تم استغلالها بطرق افتقرت إلى التخطيط السليم والمهنية الاحترافية. لعل ما لفت النظر في لقاء سمو الأمير والمتعلق بصندوق الاستثمارات العامة هو التأكيد بأن آلية عمل الصندوق لا تهدف مطلقاً إلى منافسة القطاع الخاص، بل هي بعكس ذلك داعمة له من خلال محورين، ضخ سيولة للقطاع الخاص حيث كل مستلزمات مشاريع الصندوق سوف يتم شراؤها وتأمينها من السوق المحلي وكذلك فإن آلية عمل مشاريع الصندوق الملتزمة بالشروط العالمية في التنفيذ ستكون حافزاً للقطاع الخاص نحو العمل بنفس الشروط في تنافسية تصب في النهاية في مصلحة المواطن والمستهلك. البطالة التي تقلق كل دول العالم كان لها نصيب كبير في اللقاء، وحيث أكد سمو الأمير بأن الخطط لا تهدف فقط نحو تقليصها، بل بتحسين القائم من الوظائف المتاحة، حيث وصف الأمير بأن ما يتوفر حالياً من وظائف يمكن تصنيفها بأن 50 % منها جيد يتيح لمن يعملون فيها الاستمتاع بما تدر عليهم، وكذلك إمكانية الادخار بينما هناك ما نسبته 50 % من الوظائف التي وصفها سمو الأمير بالسيئة التي لا تتيح لمن يعملون عليها الخصائص المتوفرة في الوظائف الجيدة. الاستثمار في الصناعات النفطية والتعدين والسياحة هي فرص استثمارية كبيرة سيتم استغلالها للنمو والرفاهية وهي مشاريع أفاد سمو الأمير في اللقاء بأهميتها نحو المزيد من النمو والازدهار. الملاحظ في اللقاء أن سمو الأمير لم يتطرق للنجاحات الكبيرة والملاحظة التي تمت في كل من ملفي تمكين المرأة السعودية أو في مواجهة تداعيات جائحة كورونا وهو أمر يبدو بأنه كان مقصوداً انطلاقاً من منهجه بترك الإنجازات التي تمت بشكل مُرضٍ تتحدث عن نفسها.
الرئيس الأمريكي بايدن في خطابه للكونجرس الأمريكي تحدث عن خطط طموحة كبيرة لانتشال الاقتصاد الأمريكي من حالة الكساد التي تعرض لها وبشكل عنيف نتج عنها خسارة أكثر من 20 مليون أمريكي لوظائفهم، وهو الوضع الذي أعاد ذاكرة الأمريكيين لعقود للوراء من تاريخهم حيث تعرضت بلادهم حينها للكساد العظيم في العشرينات من القرن المنصرم والتي استطاعت أمريكا تجاوزها بخطط رئيس أمريكي ديموقراطي هو الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت والذي وجد بأن ضخ استثمارات كبرى في شريان الاقتصاد الأمريكي هو الطريق الوحيد لإنعاشه وهو ما تم بالفعل وتكلل بالنجاح، وهو الأمر الذي يسعى له الرئيس الديموقراطي بايدن، وكأن التاريخ يعيد نفسه. جائحة كورونا ومواجهتها جاءت في بداية الخطاب حيث نجحت خطط الرئيس بايدن في تسريع استراتيجية التلقيح ضد الفيروس والذي شمل أكثر من 100 مليون أمريكي وبوتيرة تتسارع يوماً بعد يوم تجعل من عودة الحياة لطبيعتها أمراً شبه مؤكد بحلول الصيف. نجح الرئيس بايدن حين فشل الرئيس ترامب الذي لم يأخذ الجائحة على محمل الجد ولأسباب سوف تكون مجالاً للتقصي والدراسة من قبل ذوي الاختصاص في أمريكا، وكانت نتيجة فشل الرئيس ترامب في مواجهة الجائحة سقوط أكثر من نصف مليون ضحية. أهمية التلقيح في مواجهة الجائحة جاءت في خطاب الرئيس بايدن بأنه استشعرها من مقولة ممرضة أمريكية التقاها في ولاية أريزونا حيث صرحت له بأن كل حقنة تلقيح في يد تعطيها جرعة من الأمل «Every shot gives me a dose of hope».
عرض الرئيس على الكونجرس تفاصيل خطته الاقتصادية الكبرى لانتشال أمريكا من الركود وهي الخطة التي وافق عليها الكونجرس بتصويت أغلبيته الديموقراطية ومعارضة غالبية الجمهورين لها وتسعى الخطة المسماة خطة الإنقاذ الأمريكية «American Rescue Plan» والمقسمة إلى عدد من الخطط تتفرع عنها لإعادة الحياة والبريق لأمريكا من جديد تكون فيه قادرة على المنافسة في التجارة العالمية. الخطة أو الخطط تشمل الاستثمار في كل تفاصيل البنية التحتية الأمريكية من طرق وجسور وقطارات ومطارات ومنظومة الاتصالات والإنترنت وشبكات المياه والصحة والتعليم والذي أكد عليه الرئيس بايدن في خطابه، وأشار حينها لزوجته الدكتورة جل بايدن وبأنها تذكره دائما بأهمية التعليم في بناء الدول وبأن الدولة التي سوف تتفوق على أمريكا هي الدولة التي تضع التعليم على رأس أولوياتها.
في إحدى فقرات اللقاء أشار سمو الأمير إلى العلاقات السعودية الأمريكية وأهميتها لكلا البلدين وبأنها علاقات صبت في مصلحة الحليفين وبأنها في غالبها إيجابية سوى بعض الخلافات غير المستغربة والتي تحدث بين الحلفاء ويتم بحثها وتجاوزها ولا شك بأن العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة هي علاقة بين حليفين فصلت بينهما الجغرافيا ووحدتهما المصالح المشتركة والتي يمكن تجديدها بين الطرفين في التعاون المشترك والفاعل بينهما لإنجاح خططهما الاقتصادية من خلال اتفاق التعاون الاستراتيجي الموقع بينهما.
لم يكن الاقتصاد في عالم ما بعد كورونا والشأن الداخلي هما التشابه الوحيد في كل ما جاء في لقاء سمو الأمير وفخامة الرئيس بايدن، ففي نهاية كل من اللقاء والخطاب سمعنا من كليهما أهمية دور الفرد والمجتمع لنجاح الخطط، سمو الأمير أكد على أهمية دور المواطن في النجاح وبأنه العامل المهم لإنجاح الرؤية وبأن السعودي مواطن لا يخاف بل يقلق وهو أمر طبيعي، فخامة الرئيس بايدن بدوره وفي نهاية خطابه وجه خطابه للأمريكيين بقوله عليكم أن تقوموا بواجبكم وهو ما أطلبه منكم والمستقبل لأمريكا.