عبدالوهاب الفايز
في الحوار التلفزيوني الأخير تطرق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله-، إلى موضوعات عديدة، ولكن الشق الاقتصادي حظي بالمساحة الأكثر، وهذا طبيعي لأن حيوية النشاط الاقتصادي وقدرته على توليد الوظائف وفرص التجارة هو المؤشر لكفاءة الدولة، فالناس يهمها استقرار حياتها واستدامة مصدر رزقها، ويهمها أن تنشغل بما ينفعها ويجدد لها الأمل بالحياة والمستقبل؛ وتيسير أمور معاش الناس يأتي في مقدمة أولويات العقد الاجتماعي بين الحكومة والناس. وهكذا وجدنا الرؤية وبرامجها العديدة.. كلها تتجه لتحقيق هدف الدولة الأساسي الذي قامت عليه منذ تأسيسها الأول وهو: خدمة مصالح الناس.
وهذا ما أكد عليه سمو ولي العهد في حديثه، سواء في الشأن المحلي وفي أمور الدولة وعلاقاتها الخارجية.. فمصالح الشعب السعودي هي التي تحكم بناء الشركات وترتيب التحالفات الجديدة، وأيضًا هي التي توجه إعادة صياغة أولويات العلاقات القائمة الآن بين الدول والتجمعات الإقليمية والدولية.
تعزيز الشأن الاقتصادي، بالذات في الشق الذي يؤدي إلى تعزيز مكانة الدولة وتحقيق الأثر الإيجابي الذي ينعكس على جودة الحياة ويؤسس لمقومات الحياة الكريمة، هو ما تحرص عليه أغلب برامج الرؤية وهو ما أكد عليه سمو ولي العهد، وأيضاً هو الذي استدعى التدخلات لتوسيع التوجه نحو تنمية الإيرادات غير النفطية عبر سياسات التنويع الاقتصادي، وعبر مراجعة السياسات والممارسات السابقة.
بعد خمس سنوات من إطلاق ( رؤية المملكة 2030 )، تحقق الإنجاز في جبهة تنمية الإيرادات المالية الحكومية، وأبرز نجاحات الحكومة كان في مجال الاستمرار في تعظيم الكفاءة التشغيلية التي تحققت سابقاً لرفع جمع الإيرادات الحكومية. وتوسع الأجهزة الحكومية في تطبيق الحلول الرقمية كان له الأثر السريع والمباشر على تنمية الإيرادات، وأيضًا ساعد الناس المستفيدة من الخدمات الحكومية على سهولة وسرعة الوصول إليها، وهذا من أبرز مكاسب برامج الرؤية.
والتوجه الواسع لتنمية الإيرادات غير النفطية له آثار عديدة تتعدى التحصيل المالي للإيرادات، أبرزها تعزيز الاستدامة المالية للنفقات الحكومية، وهذا ضروري حتى تستقر وتوسع في تقديم الخدمات الضرورية المتنامية للناس. الحكومات تحتاج الاهتمام بالشأن الاقتصادي لاستيعاب التحولات الاجتماعية والإنسانية ورغبة الناس في التقدم والتطور. هذا يعزز تطور إنتاج الفرد وتوسع مساهمته في النشاط الاقتصادي وتعظيم استفادته من التوسع في الأنشطة الاقتصادية.
بالنسبة لنا، تكريس الفرد لجهده وإبداعه لتطوير حياته هو المهم، وهو الذي يدفع لتطوير ذهنية الحكم وآليات عمل الحكومة لأن الانسجام بين الدين والدولة قائم ومستقر ويتم تكريس دعائمه الشرعية.
ولأجل أن تتفرغ الناس لما ينفعها في دينها ودنياها، ولكي تمضي الحكومة في إصلاح وتطوير ما تراه ضرورياً لاستقامة الأمور والشؤون الدنيوية، تم في بداية انطلاقة الرؤية تحييد القوى المعيقة والمربكة للتطوير والتجديد، فتم معالجة كل ما يؤدي إلى الفساد المالي والإداري، وتم تحييد الأثر السلبي للآراء المتطرفة بنوعيها لأجل حماية للمجتمع من حدة الاستقطاب والتنازع على المكاسب الشعبوية، وحديث سمو ولي العهد حمل رسائل واضحة وصريحة عن عزم وحزم الدولة للاستمرار في هذا الاتجاه حتى تمضي خطط وبرامج التطوير بدون عوائق ومربكات.
الذي يرى البيئة المحيطة بنا، ويرى حجم التحديات الكبيرة المترتبة على المشاكل والصراعات القائمة، ويرى استمرار المشروع الإيراني التخريبي، وأيضاً يعي أطماع القوى العالمية الكبرى في منطقتنا وصراعاتها المستمرة على ثرواتها.. كل هذه تجعلنا ندرك مدى حاجتنا لاستكمال مشروع الرؤية الطموح في السنوات العشر القادمة. مواجهة الفوضى بالإصرار على البناء واستكمال مقومات التنمية المستدامة والسعي لتحييد مخاطر تذبذب أسعار النفط، هو الذي نحتاج الإصرار عليه وعدم السماح لمن يعيقه أو يؤخر أولوياته!