عبدالمحسن بن علي المطلق
... أرسلهن للصديق الوفي والرفيق الحفي -بالصحبة- أسامة التميمي، مواساة له في وفاة أبيه الشيخ (عبدالعزيز بنعمر التميمي) عليه الرحمة من ربه وأبلغ من ذي العرش رضوانا، في مطلع شهر الصيام، من هذا العام.
مبتدأً بـ
يظن بعض من يتصنّع التجلّد (مواطن ليس للتجلّد فيها من خانة..) ولا مزيّة تُذكر حتى! فكلنا من دم ولحم -نتأثّر ..-، فأقول:
يظن أولئك أن فقد أحد الوالدين- أو كلاهما - لا يؤثِّر إلا على الصغير، لأنه عندئذ يخلع عليه وسم (يتيم)، إذ بعد البلوغ، أو لحظة {آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا}عندها لا يسمّى به، لأنه بلغ، ولسن الاعتماد على الذات وصل، لكن المرء مهما تناهى به العمر يبقى لوالديه من المكانة و(التأثير) درجتهما المعتادة قد لا يفقد الوالدان سبب خاصيّة الإشراف المباشر عليه، لكن -كما تقدم - يبقى لهما مكانتهما التي لا تمسّ، فتلكم مشاعر أسى، بخاصة عندما يتذكر المرء أباه الذي بذل الغالي والنفيس في رعايته منذ الصغر، وقد رحل بلا عودة!
ومما قيل أن أولى الثلاثة الذين (مهما كبر المرء)، أو اعتلى من المراتب لا يكبر عليهم، بل ولا يُقبل نمط هذا، وهم: الوالد/ المعلّم/ ولي الأمر، فالوالد - أمّاً أو أباً- وإن كان أميّاً يبقى له قدره الذي حفي ديننا بالحفاظ عليه، فحسبهما أن قرن الله حقهما بحقه بقوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
أقول بما تقدم من السطور.. من بعد أن رفع علي سماعة (الهاتف) صديقي «أسامة» وبصوت متخم بتعابير الحزن ما ساورني بالبدء العجب ليخبرني بوفاة والده -رحمه الله- لكنّه - وربي - معذور، فـ..
ما خير عيش لا يزال مفجعاً
بموت نديم أو فراق حبيب
وأي (حبيب) كالأب القاطن بالقلب.
وبالمناسبة فهذا المنحى هو المشروع، أي المسارعة بإخبار من حول المرء إن حدث عنده وفاة - قريب-، عسى أن يتدارك الميت.. من ساعة فراقه الدنيا، أو تصله دعوات الأحباب والأصحاب معاً..
المهم عندها.. لم أبد تعجبي لما فعل.
بل شاطرته وخليط من مشاعري تكاد تمتزج ما يكابد من ألم الفراق، وليس بهذا من المحاذير الشرعية البتة، فالحبيب صلى الله عليه وسلم قال (إن العين لتدمع..)، هذا على طفل صغير/ ابنه إبراهيم.
من هنا لا نستكثر هطل الدموع، وابلها.. يا أبا عبدالعزيز..
فغياب الأب له أوجاع ربما تفوق من هم في عهد اليتم! لأن المرء قد يغور لديه الجرح، فقد كابد الدنيا وذاق من اللأواء ما أمسى (معترفًا) بأعباء ما تحمّلوا، فأحسّ بما أوجعهم منها، أن نال نصيبًا من مصاعب ما واجهوا
فلا أجد وبعد أن أعزيك، فالدعاء لأبيك إلا أن أفنّد الملامة على ما أجتاح مشاعرك سواء وأنت تخبر بوفاة والدك.. أو تلكم التي طالتك أيامها الثقال
لكن العزاء الحقيقي أنه من رجالات الخير والطاعة، فحسبه - رحمه ربّه- تربية أمثالك.
فمنذ غنمت صحبتك وأنت تجهد بمعرفة الحكم الشرعي عن كل مسألة تطرق، أو مادة تعن لك، ولو لتجمع حولها من معارفها ما يثريك، ويشبع فضولك
أعود أخي أسامة لأحدّث قلبك/
نعم، فقدت أباك لكن ما يجلو ما أغمّك من الأسى أنه ذاهب لمن هو أرحم وأرأف من الأم والأب/ الرحمن بخلقه عامة، الرحيم بعباده خاصة.. وقد كتب علينا جميعاً حتميّة المآب إليه (أطال الزمان أم قصر) بنا.. إليه، بقوله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
لكننا نسأله أن يرحمنا يوم نعود إليه..كما لطف بنا أن هُدنا إليه، رجاءنا {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ربنا تشفّعاً أننا تمسّكنا بأمرك، والتزمنا بشرعك، فأنخنا مطاينا طلباً لرحمتك.