بقلوب مؤمنة بالله -عزَّ وجلَّ- فقدت أغلى الأحبة والدي رحمه الله، وقد كان يوم السبت 28-8-1442 يوم انكسار لي وللبيت بفقد حبيب الروح، فهناك بعض الذكريات والمواقف التي لا أنساها، وقد كانت عالقة في ذهني أياماً وشهوراً وسنين عشتها مع والدي الشيخ عبدالله عبدالعزيز الطيار، حيث الفرحة والحياة السعيدة، ابتسامته كانت منبع الحب والتفاؤل، كان معيناً لي على نوائب الدهر وكان شجرتي التي لا تذبل، وكان الظل الذي كنتُ آوي إليه في كل حين، ربما لم أبرّك يا والدي كما يحب، لكني أعلم أنّ قلبك أكبر من أي بر، رحمك الله وجزاك من الثواب أجزله، أبي.. كنتُ أراك فيزول همّي وضيقي، وأمسك بيدك فتهون عليّ مصاعب طريقي.
في أول أيام رمضان افتقدت جلستك، كلماتك، حنانك. في أول أيام رمضان افتقدت نصائحك، صوتك، حبك لرمضان، أين أنت يا أبي الآن، فقد تركت نفساً تئن من الألم والحزن، يا رب جنات النعيم لأبي والعفو والغفران.
حقيقة الأحداث المؤثّرة في الدنيا كثيرة، ولكن أشدها وقعاً وأكثرها ألماً لحظات الوداع وأي وداع، وداع لا لقاء بعده. لقد فقدت والدي الشخصية التي لها أثرها في نفسي، رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، فواحزناه.
نعم، مصابنا في وفاة والدي كان جللاً والألم كبيراً، ولكننا تقبلناه بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ومثلما أحزنتني وفاته فقد رأيت أمي وإخوتي وأخواتي في حزن شديد، حيث تجلّت في العيون كل معاني الأسى على هذا الفراق. فقد رحل من نعزه، رحل من تميز بالكرم والجود، رحل حبيب الروح، رحل جميل السجايا، رحلت تلك النفس التي زكت بالخير، وطيب الذكر، وجادت بالعطاء، وتحملت الأسقام وأعباء الحياة، فظلت باسمة حتى في أحلك الظروف، نقولها بحرقة الفقد، فقد كان وقعه أليماً على نفسي وعلى عائلتي وعلى كل من عرفه.
نعم، (إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك لمحزونون). أبي بكت عليك قلوبنا قبل عيوننا، فيا رب ارحم أبًا فقدناه، واغفر له وتجاوز عنه وثبته عند السؤال، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
رباه قد انطفأ نور البيت، وخيّم الحزن، وكلنا حسرة وألم على وفاته، فاللّهم انقله من ضيق اللحود ومن مراتع الدود إلى جناتك جنات الخلود، لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض، تغمد أبي برحمتك يا أرحم الراحمين.
ختاماً.. أدعو الله -عزَّ وجلَّ- أن يتغمد والدي بواسع رحمته، وأن يرفع منازله مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، وإن يسكنه فسيح جناته، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة.. وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته، إنه القادر على ذلك.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. وعزائي لنفسي وأمي وإخوتي وأخواتي وكل من أحب والدي في هذا الفقد.
** **
- غدير عبدالله الطيار