د.صالح العبدالواحد
بتاريخ 25-4-2021هـ نقلت وكالة رويترز تصريحًا لمعالي وزير المالية بأنه يمكن للمملكة توفير 800 مليار ريال خلال السنوات العشر المقبلة من خلال إحلال مصادر الطاقة المتجددة مكان النفط والغاز الطبيعي.
يأتي هذا التصريح متممًا لتصريح معالي وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن عزم الدولة استخدام «مزيج» لتوليد الطاقة الكهربائية يصل استخدام الطاقة المتجددة فيه إلى نسبة خمسين بالمائة.
تلك التصاريح يجب ألا تمر مرورًا عابرًا دون توضيح. فهذه بشرى عظيمة يتم زفها للمواطن.
يهدف هذا المقال شرح ذلك الوفر وآليته بالتفصيل، فهذا تصريح مهم جدًا، يعتبر نقلة نوعية في السياسات المالية للدولة التي تعمل على توفير المليارات من الريالات للأجيال القادمة دون أي تأثير على الأداء اليومي، بل على العكس، يضمن تقديم خدمات أفضل، تضع المملكة على عتبة الأمان المالي المستدام لمائة عام قادمة.
يستهلك توليد الكهرباء في المملكة العربية السعودية ما يعادل أربعة ملايين برميل نفط خام «يوميًا». (1) وتقوم حكومة المملكة بدعم أسعار الكهرباء «أربع مرات»، وذلك ليصل سعر الكيلوواط ثابتًا للمواطن مهما كانت تكلفة التوليد والنقل والتطوير. أولى خطوات الدعم تأتي عن طريق بيع برميل النفط المكافئ بسعر رمزي لشركة الكهرباء بقيمة 6 دولارات، بينما يصل سعره العالمي عشرة أضعاف ذلك الرقم. والدعم الثاني يأتي عن طريق دعم تثبيت سعر الكيلوواط المنتج بحيث تدفع الحكومة فرق التكلفة لما فوق 30 هللة/ كيلو. أما الدعم الثالث فيتمثل في إلغاء الرسوم المفروضة على الشركة جراء استخدام المرافق الحكومية حيث قامت الحكومة بشطب مليارات الريالات من الرسوم المفروضة على الشركة عام 1438هـ(2).
أما طريقة الدعم الرابعة فتتمثل بدعم مشاريع التطوير التي تقوم بها شركة الكهرباء إما عن طريق ميزانية الدولة مباشرة أو دعم القروض الميسرة للشركة والتي تصل أيضًا لعدة مليارات سنويًا.
وبذلك فمن المؤكد أن سعر بيع الكيلوواط بثلاثين هللة للمواطن يأتي مدعومًا من الدولة بما لا يقل عن أضعاف هذا الرقم. ومن الواضح فإن تصريح معالي الوزير يدل على أن حكومة المملكة الآن تعمل على خفض تكلفة الإنتاج بكل حرفية، وتقديم مصلحة الوطن والأجيال القادمة عوضًا عن اتخاذ الطريق السريع وهو رفع سعر الكيلوواط للمستهلك، والذي لن يأتي بأي نتيجة إيجابية لا على المدى القريب ولا البعيد.
إن توفر مخزون هائل من النفط قد يوحي بأن العمل الأسهل هو حرق النفط بكميات كبيرة لتوليد الكهرباء، ورفع أسعار تعرفة الكهرباء التدريجي، إلا أنه من الواضح أن حكومة المملكة العربية السعودية تعمل للمستقبل، على الصعيد البيئي والاستدامة المالية. هذه هي الطريقة الإبداعية التي تنتهجها حكومة المملكة العربية السعودية الآن، وهي إيجاد الحلول لملايين المستهلكين، لمائة سنة قادمة بإذن الله، بنفس السعر الحالي.
هذه هي الترجمة للرؤية الحقيقية.
إن توليد كيلوواط واحد من الكهرباء من مصادر بديلة للنفط لا يعني توفير النفط الذي تم إحراقه لهذا الغرض فقط، بل توفير الملايين من ميزانية الدولة التي يتم صرفها الآن لدعم إنتاج ونقل تلك الكمية من الكهرباء.
ولمعرفة كمية النفط الذي يتم استهلاكه لتوليد الكهرباء فيمكن للقارئ العزيز أن يتخيل أن منشأة مثل صالة التزلج في دبي والتي تستقبل 3500 زائر يوميًا، تستهلك ثلاثة آلاف وخمسمائة برميل نفط يوميًا لتوليد الكهرباء. أي ما قيمته 750.000 ريال يوميًا تقريبًا، أي أن كل متزلج يستهلك برميل نفط.
ومن هنا فإن العمل على توفير تكلفة إنتاج الكهرباء هو العامل الاقتصادي الأول في تأسيس الاستدامة المالية، حيث أن النفط لن يدوم، وكذلك فإن الدعم المالي للتعرفة الكهربائية لن تدوم كذلك.
لنأخذ مثالاً توفير استهلاك مائة ألف برميل نفط يوميًا عن طريق توليد الطاقة الكهربائية المعادلة من الطاقة الشمسية. يعني ذلك توفير فارق سعر النفط المدعوم من 6 دولارات إلى السعر العالمي الحالي وهو 60 دولاراً تقريبًا. هذا الوفر يعادل ثمان مليارات ريال سنويًا، وبالطبع يجب إضافة المبالغ الأخرى المتمثلة في دعم تثبيت سعر التعرفة الكهربائية وعدم الحاجة إلى بناء محطات تقليدية جديدة مما يعني إضافة هائلة أخرى إلى هذا الرقم. ويطمح معالي الوزير في توفير مليون برميل نفط يوميًا مما يعني توفير ثمانين مليار سنويًا، ليصل الرقم إلى ثمانمائة مليار خلال العشر سنوات القادمة. وهذا الرقم سهل المنال ضمن هذه الخطة ويعتبر خطوة رائعة نحو تحقيق الاستدامة المالية والبيئية للأجيال القادمة.
إن هذه الخطط الطموحة التي ستنقل الأداء المالي لمعايير غير مسبوقة تعتبر اللبنة الأساسية في أمن «الاستدامة المالية» للبلاد وتضعها في نطاق جديد كليًا.
ومن مراجعة الفاتورة السنوية لاستهلاك الكهرباء للمرافق التعليمية في المملكة، نجد أن توفير هذه الفواتير عند استهلاك الكهرباء من الطاقة الشمسية مباشرة، (جميع المدارس تعمل بعد شروق الشمس) يمكن أن يحقق وفرًا يشكل خطوة رئيسية في تحقيق طموح معالي الوزير.
ومن المثير وجود شركات استثمارية تستطيع بناء محطات الطاقة الشمسية للمدارس بدون أي تكلفة تأسيسية، وتكتفي ببيع الكهرباء. بهذا يتم اصطياد عصفورين بحجر واحد، وهو توفير النفط والغاز تمامًا بالإضافة إلى مبالغ الدعم التابعة لتوليد الكهرباء من تلك المصادر. وكذلك يمكن خفض قيمة الفاتورة السنوية بما لا يقل عن 20 % بسبب انخفاض تكلفة مصدر الكهرباء.
تحية لجميع من يعمل على هذه الخطط الطموحة في هذا الوطن الغالي بقيادة خادم الحرمين الشريفين وأمير الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله ويرعاهما-.
.http://ara.tv/r4uwh -1
.http://ara.tv/62zae -2