خالد بن حمد المالك
أحاول أن أقتنص بعض ما قاله الأمير محمد بن سلمان في لقائه الأخير بمناسبة الذكرى الخامسة لولادة الرؤية 2030، وأعلق عليه. وإن لم أتتبع محاور الحديث بحسب أهمية كل محور؛ لأن كل سؤال كانت له إجابة بالأهمية ذاتها مع غيره، وكل موضوع أرى أنه قد اتسم بقدر عال من الأهمية أيضًا. وما قد لا نعلق عليه فليس من سبب لإغفاله إلا لأن كل المحاور مهمة، وقد نُفسد ذائقة القارئ لو كتبنا عن كل ما جاء فيه، وحسبنا أننا لمسناه في أكثر من مقال بتعليقات مقتضبة تأكيدًا على أهميته، ومشاركة مع غيرنا في تثمين ما جاء فيه.
* *
وضمن ما لفت نظري في اللقاء ما قاله ولي العهد من أن هناك اتجاهًا لتحويل مستشفى الملك فيصل التخصصي إلى مستشفى غير ربحي مملوك للحكومة، ويمول بما يقارب 10 مليارات ريال من ميزانية الدولة، وإيرادات بما يصل إلى 12 مليار ريال، أي إن ميزانيته سوف تكون في حدود 22 مليار ريال، وبذلك - يقول الأمير - سوف يتوسع المستشفى في الأبحاث، وفي فتح الفروع، والخدمات. كما أن بعض المستشفيات الحكومية سوف تخصص. كل هذا يتم ضمن الاهتمام بصحة المواطن، وستظل الخدمات الصحية تقدم له مجانًا التزامًا بما ينص عليه النظام الأساسي للحكم في البلاد. مؤكدًا سموه أن برنامج التحول في القطاع الصحي سيحدث تغييرًا كبيرًا بمستوى الخدمات الصحية.
* *
وفي محور آخر، وضمن التخطيط العلمي المدروس لمستقبل التعليم العام والعالي أثار انتباهي ما قاله الأمير من أن الاهتمام سينصبّ على المعلومة وإيصالها للطالب باستخدام التقنية، والتركيز على حجم المعلومة باستخدام المصادر المفتوحة، وأن هناك برنامجًا لتطوير الموارد البشرية على وشك إطلاقه؛ ما يعني أن الدولة لا تكتفي بتقديم الخدمات الصحية والتعليمية مجانًا، وإنما تسعى إلى التطوير، والتحول الذي يعزز هذا الاتجاه، دون إغفال اهتمامها بالبيئة كونه استثماريًّا، بل ضروريًّا لجودة الحياة في المملكة التي نصت عليها رؤية المملكة 2030.
* *
يقول محمد بن سلمان - وهو يتحدث عن البيئة - في محور آخر: إن المستهدف أن نقلل من كمية الغبار التي نستنشقها يوميًّا، وتؤثر على حياتنا، وإن هذا لن يتم دون أن نعيد البيئة إلى طبيعتها، ولن يتحقق ذلك ما لم يتم رفع الغطاء النباتي المدمَّر إلى مستوى 200 % في 2030 بعد أن تم خلال السنوات الأربع الماضية رفع الغطاء النباتي بنسبة 40 %؛ وهو ما كان له أثر بانخفاض العواصف الرملية بنسبة 30 %، وزيادة نسبة الأمطار. وما كان هذا ليتحقق لولا السياسات التي اتُّبعت، والإجراءات التي نُفّذت. وضمن ذلك ما قامت به وزارة الداخلية بإنشاء القطاع الأمني البيئي للمحافظة على البيئة، وسَنّها قوانين لمنع الاحتطاب.
* *
لكن كل ما قاله الأمير معرض للفشل والتراجع لو لم يتم التعامل مع الإرهاب والتطرف بالقوة، ومواجهته بعزم وحزم، وهو ما يفسره قول الأمير: «لا نستطيع أن ننمو، ونجذب رؤوس أموال، وتكون لدينا سياحة، ولن نتقدم بوجود فكر متطرف في المملكة. إذا كنا تريد ملايين الوظائف، وإذا كنا نريد تخفيض نسبة البطالة، والاقتصاد ينمو، ودَخْلنا يتحسن، فيجب - يقول الأمير - أن نستأصل هذا المشروع المتطرف لمصلحة دنيوية، فضلاً عن مصلحة أن هؤلاء لا يجب أن يمثلوا ديننا الحنيف، ومبادئنا السمحة بشكل أو بآخر. وأي شخص يتبنى منهجًا متطرفًا حتى ولو لم يكن إرهابيًّا فهو مجرم يحاسب عليه قانونيًّا».
* *
ومثل هذا اللقاء التاريخي حين يتم مع قامة كبيرة لا يمكن أن يخلو من سؤال وإجابة عن الطاقة؛ كون المملكة تعتمد عليها، وتعد واحدة من كبرى دول العالم في الإنتاج والتصدير والاحتياطي، فكان أن قال الأمير إن الدولة النفطية ليست الدولة الغنية، واستشهد بالجزائر والعراق. والمملكة كانت دولة غنية عندما كان سكانها في حدود ستة ملايين إلى سبعة ملايين، وإنتاجها من النفط يصل إلى 10 ملايين برميل يوميًّا. الأمر اختلف عندما تجاوز عدد السكان العشرين مليون مواطن، وسنكون دولة فقيرة لو اعتمدنا على النفط فقط، غير أن النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي، وما صاحبه من زيادة في الإيرادات من 166 مليار ريال إلى 350 مليار ريال، حال دون أن تكون بلادنا دولة فقيرة. وسنرى في السنوات القادمة تحسنًا أكثر، خاصة أن القطاع الخاص بدأ ينمو، رغم جائحة كورونا.
* *
نخلص من هذا إلى أنه لا خوف على المملكة بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد؛ فمع التنظيمات والتشريعات والقوانين الجديدة، وفي ظل الحوكمة، والبرامج والخطط، ورؤية 2030، وبرنامج التحول الوطني، ومع الإيرادات غير النفطية التي أصبحت تحقق نموًّا، وربما يصل هذا النمو في السنوات القادمة إلى أرقام موازية لإيرادات النفط، وبهذا لم يعد البترول المصدر الوحيد لإيرادات الدولة الذي يُعتمد عليه، أقول لا خوف علينا لأن هناك خارطة طريق لتحقيق ما نتطلع إليه.