«الجزيرة» - اقتصاد:
على الرغم من استمرار تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وعلى الرغم من الآثار السلبية التي خلفتها في معظم دول العالم، فإن رؤية المملكة 2030 ببرامجها الطموحة أسهمت في تجاوز الكثير من هذه التداعيات، بل حققت نجاحًا لافتًا على كل المستويات، وهو الأمر الذي أكدته التقارير الصادرة حديثًا عن الكثير من المنظمات العالمية المتخصصة، وفي صدارتها الرعاية الصحية التي أولتها حكومة المملكة جل اهتمامها، بتوجيه من القيادة الرشيدة حرصًا على سلامة المواطنين والمقيمين، وتوفير سبل الوقاية لهم من هذا الوباء الذي أودى بحياة الملايين من كل الشعوب ولا يزال.
إطلاق البرنامج.. نقطة التحول
شكل إطلاق برنامج الاستدامة المالية (برنامج تحقيق التوازن المالي سابقًا) في يونيو 2017م نقطة تحول رئيسة لتمكين عملية التخطيط المالي على المدى المتوسط بهدف استدامة واستقرار وضع المالية العامة مع المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي، وذلك من خلال: تنويع مصادر إيرادات الدولة، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحفيز القطاع الخاص، وتوجيه الدعم للمستحقين من المواطنين.
وبناء على مراجعة البرنامج تم العمل على إعادة هيكلته ليكون مستدامًا وداعمًا للنمو الاقتصادي عن طريق التخطيط المالي على المدى المتوسط وتطبيق سياسات مالية، وإعادة توجيه الإنفاق ليكون بعيدًا عن مسايرة التطورات في أسعار النفط الفعلية، ومعززًا لزيادة القدرة على التعامل مع الأزمات، ومركزًا على الاستثمار الذي يحقق النمو المستدام الذي يتسم بالقوة والاستقلال عن أسواق النفط.
ومنذ إطلاقه أسهم البرنامج في السيطرة على نسب العجز من الناتج المحلي الإجمالي من 15.8 % في عام 2015 إلى 4.5 % في 2019م؛ مما أدى إلى تقوية الموقف المالي للمملكة، وتعزيز مركزها المالي للتعامل مع الصدمات الخارجية، وذلك على الرغم من الظروف الصعبة التي شهدها العالم عام 2020م بسبب تفشي جائحة كورونا.
وأدى تنفيذ البرنامج إلى رفع مستوى التخطيط المالي وجودة تنفيذ الميزانية؛ إذ انخفض متوسط التباين السنوي للأداء الفعلي لإجمالي النفقات عن تقديراتها في الميزانية من متوسط 16 % خلال الفترة من 2014م إلى 2016م إلى متوسط 4 % خلال الفترة من 2017م إلى 2019م.
كما نجح البرنامج في تطوير نظام ضريبي يتسم بالكفاءة والفاعلية كونه يستهدف تنويع وتنمية الإيرادات بشكل هيكلي ومستمر كمصدر رئيس ومستدام، وتحديدًا للإيرادات غير النفطية؛ إذ ساعد النمو الملحوظ في الإيرادات غير النفطية على تقليل المخاطر المالية المرتبطة بتقلبات أسواق النفط العالمي.
ومن الإنجازات التي حققها البرنامج في هذا الإطار أتمتة وتطوير الإجراءات والأنظمة، وارتفاع عدد الإقرارات الزكوية والضريبية في الهيئة العامة للزكاة إلى أكثر من 1.9 مليون إقرار في العام ذاته، وبنسبة ارتفاع أكثر من 700 %، وكذلك ارتفاع نسبة الالتزام بتقديم الإقرارات الزكوية والضريبية إلى 95 % في عام 2020م، وإطلاق بوابة وتطبيق (زكاتي) المخصصة لزكاة الأفراد؛ إذ بلغ عدد المشتركين أكثر من 60 ألفًا، وتم استلام أكثر من 156 مليون زكاة مدفوعة حتى 2020م.
وأسهم البرنامج أيضًا في إصلاح بعض التشوهات الاقتصادية، وحفز على الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية. وعلى سبيل المثال تم الربط التدريجي لأسعار الطاقة حتى الوصول للسعر المرجعي، وتعزيز فرص العمل أمام المواطنين من خلال تطبيق المقابل المالي على العمالة الوافدة.
ومن خلال المركز الوطني لإدارة الدين توالت إنجازات البرنامج؛ إذ بلغت الزيادة في حجم التداول بالسوق الثانوية المحلية أكثر من 70 مليار ريال من الصفقات في عام 2020م مقارنة بـ10 مليارات ريال في عام 2019م، أو زيادة قدرها 600 % على أساس سنوي. كما شهد عام 2020م زيادة قاعدة المستثمرين الدوليين بنسبة 12.4 %، وتم إصدار أول سندات دولية بعائد سلبي خارج الاتحاد الأوروبي في عام 2021م، وثاني أكبر سندات خارج الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي يواصل فيه البرنامج إجراء الكثير من الإصلاحات الاقتصادية فإنه يراعي الأعباء المترتبة على المواطنين بإعادة توجيه الدعم للمستحقين من خلال حساب المواطن، كما يقدم حزم الدعم والتحفيز للقطاع الخاص للتخفيف من الآثار المترتبة عن هذه الإصلاحات.
برنامج التخصيص.. توليد فرص الاستثمار
سعى برنامج التخصيص الذي أطلق في عام 2018م إلى تحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للتخصيص في عدد من القطاعات المستهدفة بالتخصيص، وتطوير منظومة وآليات التخصيص، وتحديد أُطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز جودة وكفاءة الخدمات، ودعم المساهمة في التنمية الاقتصادية.
وعمل البرنامج على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وإتاحة الأصول الحكومية أمامه، بما يحسن جودة الخدمات بشكل عام، ويقلل تكاليفها على الحكومة، وذلك من خلال إعادة تركيز جهود الحكومة على الدور التشريعي والتنظيمي المناط بها والمتوافق مع توجه رؤية المملكة 2030، كما أسهم في تعزيز جذب المستثمر المحلي والأجنبي المباشر وتحسين ميزان المدفوعات.
ويعنى مفهوم التخصيص بنقل ملكية الأصول من الحكومة إلى القطاع الخاص، أو إسناد تقديم خدمات حكومية معينة إلى القطاع الخاص، ويشمل ذلك عقود بيع الأصول بشكل كامل وجزئي، وعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي يمكن أن تأخذ أشكالاً متعددة مثل: العقود التي تتضمن قيام جهة من القطاع الخاص ببناء أصل معين وتشغيله، ونقل حقوق الملكية فيه إلى الحكومة.
وتتويجًا لتلك الخطوات أقر مجلس الوزراء في منتصف شهر مارس الماضي نظام التخصيص الذي وصفه وزير المالية رئيس لجنة برنامج التخصيص محمد الجدعان بالمهم لتوليد الفرص الاستثمارية الجاذبة للقطاع الخاص، وزيادة إسهامه في الناتج المحلي لتعزيز استدامة اقتصاد المملكة.
ويسعى النظام الجديد إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ونقل ملكية الأصول الحكومية، وتحرير الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص، وتخصيص خدمات حكومية محددة، والتوسع في مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية والخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.
ويهدف نظام التخصيص إلى خلق بيئة تسمح برفع حجم ومستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، ووضع المرونة اللازمة في البيئة التنظيمية والاستثمارية لمشاريع التخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمملكة، بما يدعم ويعزز تنفيذ تلك المشاريع ضمن بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومحفزة للاستثمار على المدى القصير والطويل.
وكجزء من تحقيق مستهدفات البرنامج الذي يقدم اليوم أكثر من 160 فرصة في 16 قطاعًا تم ترسية 18 مشروع تخصيص وشراكة مع القطاع الخاص؛ إذ تساهم عقود التخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص في تخفيف المصاريف الرأسمالية على الميزانية العامة للدولة للاستفادة منها في المصاريف التشغيلية للدولة.
تطوير القطاع المالي.. نمو مستمر وأدوات مبتكرة
سعى برنامج تطوير القطاع المالي منذ انطلاقته في عام 2018 إلى تحقيق الترابط والتكامل بين منظومة القطاع المالي باختلاف وسائلها وأدواتها لتحقيق نمو مستمر في إطار استقرار مالي جيد ومتين، مع توظيف أدوات مبتكرة في تطوير وإدارة الخدمات.
ويعد البرنامج أحد البرامج التنفيذية التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030؛ ليكون قطاعًا متنوعًا وفاعلاً لدعم تنمية الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل فيه، وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار، من خلال تطوير وتعميق مؤسسات القطاع المالي وتطوير السوق المالية السعودية لتكوين سوق مالية متقدمة.
وعلى الرغم من العمر الزمني القصير للبرنامج إلا أنه تمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات على مستوى القطاع المالي كله؛ إذ ارتفعت نسبة المعاملات غير النقدية إلى 36 % في عام 2019م متخطيًا هدف البرنامج المقدر بـ 28 % لعام 2020م.
كما سعى البرنامج ضمن جهوده لتعزيز الادخار بتخفيض القيمة الاسمية للصكوك المدرجة الصادرة عن حكومة المملكة؛ وذلك نتيجة لتغيير القيمة الاسمية من مليون ريال إلى 1000 ريال للصك دون تغيير في حجم الإصدار بهدف تمكين الراغبين في الاستثمار من الشراء فيها، واستخدامها أدوات استثمار وادخار. كما تم إطلاق سوق المشتقات المالية. ويمثل هذا الإطلاق خطوة مهمة في مساعي تطوير السوق المالية السعودية، وتزويد المستثمرين بمجموعة متكاملة ومتنوعة من المنتجات والخدمات.
وقادت أعمال شركاء البرنامج (وزارة المالية، البنك المركزي السعودي «ساما»، هيئة السوق المالية، وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة) إلى تقدم ترتيب المملكة في أكثر من 13 من مؤشرات التنافسية العالمية المتعلقة بالسوق المالية، خاصة بعد التغيرات التي طرأت عليه، ومن أهمها زيادة انفتاح السوق المالية السعودية (تداول) بانضمامها للمؤشرات العالمية؛ إذ تم إدراج (تداول) بمؤشرات: «إم إس سي آي»، و»ستاندرد آندبورز داو جونز»، و»فوتسي راسل»، التي أدت إلى جلب تدفقات مالية أجنبية تصل إلى 76 مليار ريال، وبالتالي توسيع قاعدة المستثمرين في السوق المالية، وتحسين مستويات السيولة فيها.
وساهم البرنامج في زيادة حجم التداول في سوق الدين الثانوية المحلية في تداولات قيمتها أكثر من 70 مليار ريال سعودي في عام 2020 م، مقارنة بـ 10 مليارات ريال سعودي في عام 2019 م، أو بنسبة أكثر من 600 % على أساس سنوي.
وحققت المملكة تقدمًا كبيرًا في مؤشر حماية الأقلية للمستثمرين إلى المرتبة السابعة عالميًا، كما حصلت على العضوية في مجموعة العمل المالي «فاتف»؛ إذ أصحبت عضوًا كاملاً ضمن 37 دولة في العالم وهي أول دولة عربية تحقق هذه العضوية، الأمر الذي يعزز تعامل المملكة مع المؤسسات المالية الدولية؛ إذ تعد المملكة واحدة من أكثر دول العالم تطورًا من حيث الأنظمة المالية وتنفيذ تشريعات وإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المؤسسات الحكومية والقطاعات ذات الصلة.
كما وصل عدد شركات المدفوعات في قطاع التقنية المالية المصرح لها إلى 13 شركة، إضافة إلى 32 شركة صرح لها في البيئة التجريبية، كما تم التصريح لتجربة التقنية المالية لعدد 7 شركات في مجال أعمال الأوراق المالية.
وفي إطار سعي البرنامج للوصول إلى مجتمع غير نقدي تم الترخيص لإحدى عشرة شركة تقنية مالية جديدة في مجال المدفوعات الإلكترونية.