خالد بن حمد المالك
نجح الزميل عبدالله المديفر في فتح شهية الأمير الملهم محمد بن سلمان ليقول ما قاله في لقائه التاريخي، متأثرًا بالأسئلة والمحاور التي طرحها على سموه مقدم اللقاء بمهنية عالية؛ فكان أن استرسل الأمير في إجاباته، وتحدث كما يتحدث القادة الكبار، حيث الثقة بالنفس، والتفاؤل بالمستقبل، والتجديد والابتكار على مستوى الاستهدافات المدروسة للتغيير الشامل في المملكة وفق رؤية 2030 ومخرجاتها.
* *
قال ولي العهد في هذا اللقاء ما لم يقله من قبل، وتحدث أمام شاشات التلفزة مخاطبًا المواطنين والعالم بعد طول غياب، فكان اللقاء بمنزلة عصف ذهني من سموه لكل ما تم خلال الفترة الممتدة بين هذا اللقاء وآخر إطلالة لسموه إعلاميًّا؛ فتوبع من المواطنين، ومن وسائل الإعلام، ومن العالم، وما زال أصداء اللقاء تتردد، وتداعياته تتفاعل.. وأجزم أن لا أحد من المواطنين لم يشاهده، أو أن هناك من لم يستمع له ويتأثر بما جاء فيه.
* *
يعترف محمد بن سلمان - صراحة - بأن الملك سلمان عندما تولى مقاليد الحكم في البلاد كانت هناك وزارات ومؤسسات ونظام أساسي للحكم، لكن دون وجود مركز للدولة؛ وبالتالي فليس هناك استراتيجية تُصنع في مركز للدولة، كما أن الميزانية لا تعد من هذا المركز المفترض، وإنما تعدها كل وزارة على حدة. ويعترف - دون تردد - أيضًا بأن 50 % من الوظائف تعتبر وظائف جيدة، و50 % وظائف سيئة. ماذا يعني وظائف جيدة وأخرى سيئة؟ يقول الأمير: «وظائف جيدة بأن تأكل وتشرب وتلبس، وتشتري كل الأشياء التي تحتاج إليها، وعندك بيت وسيارة، وكل احتياجاتك الرئيسية، وعندك قدرة على الادخار، وقدرة على الإنفاق، وقدرة على الترفيه، وقدرة على أن تعيش حياة سعيدة. الـ50 % الأخرى - وهي الوظائف السيئة - تأكل وتشرب، وتأخذ كل احتياجاتك الرئيسية، وعندك بيت، لكن لا تدخر، ولا تستطيع أن تنمي ثروتك، ولا تستمتع بالحياة إلا قليلاً».
* *
ما العمل إذًا أمام هذه التحديات؟ وما السبيل لتضييق الفجوة بين الوظائف الجيدة وتلك السيئة؟ وكيف تتعامل دولة كالمملكة بدون أن يكون لها مركز للدولة؟ يجيب ولي العهد محمد بن سلمان: «عندما نصل بمعدلات البطالة الطبيعية قبل نهاية الرؤية - إن شاء الله - ما بين 7 و4 في المئة سوف يكون هدفنا القادم رفع نسبة الوظائف الجيدة من 50 % إلى 80 %»، أي إن المعالجة - بحسب ما يراه الأمير - ستكون بالحد من البطالة، وتخفيض نسبتها، وصولاً إلى زيادة عدد الوظائف الجيدة، وتخفيض عدد الوظائف السيئة؛ وبالتالي يزول القلق والخوف من المستقبل لدى فئة من يشغلون الآن وظائف سيئة.
* *
ومع عدم وجود مركز للدولة؛ وهو ما جعل السياسات التي تدار بها البلاد لا تسير وفق أهداف وبرامج وخطط واضحة، ظهر ضمن أولويات عهد الملك سلمان الاهتمام بهيكلة الحكومة، وإنشاء مكتب استراتيجيات، ومكتب لعمل ميزانية الدولة، وصولاً لمعالجة القصور في أداء أجهزة الدولة، على أن هذا التخطيط صاحبه اهتمام موازٍ بالسياحة والترفيه والرياضة. وعن التخطيط لإنجاح هذه البرامج يجيب الأمير أيضًا: «كان علينا أن نسن القوانين في المملكة بما لا تخالف القرآن والسنة، ولا تخالف مصالحنا، وفي المقابل تساعد على تنمية وازدهار الوطن. نريد 100 مليون سائح يأتون إلينا لتوفير ثلاثة ملايين وظيفة». غير أن الأمير سارع إلى القول: «إن أي سائح أو مستثمر لن يأتي إلينا دون أن تسن قوانين كتلك القوانين المتعارف عليها دوليًّا، لا كما نقول (تعال عندي للسياحة، أو استثمر عندي، أنا عندي حاجة جديدة اخترعتها غير القوانين المتعارف عليها دوليًا)، ولا يعرف هذا السائح أو هذا المستثمر الإجراءات، ولا كيف تُطبَّق، فعندئذ لن يأتي إلينا أحد؛ لهذا سُنت القوانين، وفُتحت البلاد للاستثمار الأجنبي، والاستقطاب السياحي، ونجحنا».
* *
أختتمُ هذا المقال بالإشارة إلى هذا الحس الوطني الجميل لدى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي جسده بقوله: «المواطن السعودي أعظم شيء تملكه السعودية للنجاح، وبدون المواطن السعودي ما كنا نستطيع أن نحقق أي شيء مما حققناه. وإذا كان المواطن غير مقتنع بالذي نعمله، وإذا كان ليس جاهزًا لتحمل المصاعب والتحديات، وإذا لم يكن مستعدًّا لأن يكون جزءًا من هذا العمل، سواء كان موظفًا حكوميًّا أو وزيرًا أو رجل أعمال أو موظفًا في القطاع الخاص، أو أي مواطن في أي عمل يعمل فيه، فكل الذي نقوله سوف يكون - بلا شك - حبراً على ورق».
(نتابع غدًا)