عطية محمد عطية عقيلان
كان صاحبنا يعاني من السمنة التي أتعبت كل أعضائه الحيوية، وقرر إجراء عملية تكميم لإنهاء معاناته مع الأكل، وبعد الفحوصات المخبرية اكتشف أنه مصاب بالأنيميا أو فقر الدم، وكانت الصدمة رغم كل ما يحمله من شحوم ولحوم إلا أنه مصاب بها نتيجة سوء التغذية. وقصة صاحبنا تصلح أن نشخص بها واقع الدراما والبرامج التي تنتج من أجل بثها في شهر رمضان المبارك. فبالرغم من التخمة الإنتاجية وكثرة البرامج إلا أنها مصابة بالأنيميا في كثير منها نتيجة القصة والسيناريو الركيك والتكرار الممل.
والأنيميا الدرامية لها أشكال عدة، إذ ظهرت كثيرًا من شكوى النجوم من شح القصص المحبوكة وقلة كتّاب السيناريو، وأنيميا أخرى من تذمر المنتجين من مبالغة النجوم في أجورهم التي تستحوذ على نصيب الأسد من ميزانية الأعمال، والشكوى من تعنتهم وصعوبة التعامل معهم من قبل المخرجين وزملائهم الممثلين، وأنيميا بشكوى الكتّاب من الرقابة وتعديل النجوم لإبراز دورهم دون مراعاة للحبكة مما يضعف القصة، لذا في السنوات الثلاث أو أكثر بقليل تحولت المنافسة بين القنوات لاستقطاب مشاهير السوشال ميديا، خاصة من أصحاب قنوات اليوتيوب أو سناب التي جذبت ملايين المتابعين بما يقدمونه، ووقع أغلب المحطات في خطأ مكرر، هو محاولة تقديم مادة مختلفة على التلفزيون بما كان يقدمه على الواقع، متناسين أن متابعيه كان أسلوبه وطريقة تقديمه للمواضيع هي الوسيلة التي جذبتهم له؛ لذا كان النجاح نصيب القلة، والغالب كان ظهوره باهتًا ضعيفًا غير جذاب، وبعضهم لم يكرر التجربة، وآخرون استمروا رغم فقدان بريقهم ولكن الدخل أصبح أفضل. ولا يختلف الحال كثيرًا لدى الفنانين المستمرين على نفس المنوال والقصص والحكايات والشخصيات والحركات مع تغيير طفيف بالنجوم المساندة له مع استقطاب ما يجذب المشاهد من مناظر حسنة وصورة رائعة بعيدًا عن الحبكة والسيناريو.
ولكي يكون حكمنا عادلاً ومنطقيًا لا بد أن نفرّق بين الإعلام من أجل التسلية والضحك، ولا مانع من قفشات من هنا وهناك دون تحميلهم أكبر من حجهم ومطالبتهم بأن يتناولوا قضايا مؤثرة ومهمة، واعتبارهم وكأنهم علماء في الفلسفة والاجتماع، بل لا بد من وضعهم في الإطار الصحيح لهم بأن ما يقدمونه هو مسلٍّ ومضحك، ولا نتغول ونتعمق في القصة والحبكة الدرامية، حتى لو كانت الحركات والقفشات نفسها، ولكنها تضحك الصغير والكبير، ولا نغالي في طموحنا من التغيير الكبير وتحميلهم ما لا يستطيعون واقعيًا، مع الأمل أن نشاهد إنتاجًا تلفزيونيًا يحكي عن رصد تاريخي لشخصيات مؤثرة وذات تجربة ثرية بأسلوب درامي بعيدًا عن التكرار، وتناولها بطريقة سطحية دون هالة درامية مؤثرة. كنت أتمنى أن أرى مسلسلاً يحكي عن خدمة «فرجت» للمساعدة على الإفراج عن المسجونين وكيف استفاد الألوف منهم في الخروج من السجن، وهي أفضل مثال على التكاتف والتعاضد والرحمة بين أفراد المجتمع، وتحمل العديد من القصص الحقيقية المؤثرة وذات العبرة. وهناك العشرات من الجوانب والشخصيات التي تستحق أن توجد في دراما أو برنامج أو مسابقات مفيدة وذات أثر على المجتمع.
الخلاصة: التطور في الإعلام والإنتاج الدرامي وعلاجه من «الأنيميا» يحتاجان إلى جهود جماعية وتعاون مختلف القطاعات وآراء مختلفة لتقديم محتوى مؤثر وفعال، ويساهم في التطور، مع بارقة أمل هنا وهناك في مسلسل أو برنامج أو فيلم، ولكنها قلة تستوجب أن يكون هناك استراتيجية مختلفة بروح ووجوه جديدة، وكما قال الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -: «محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارًا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت».