د.بكري معتوق عساس
غادرت إلى جامعة ولاية أوهايو الأمريكية، بمدينة (كليفلاند) لحضور دورة لتعلم اللغة الإنجليزية مدتها ثلاثة أشهر، كان ذلك في نهاية ثمانينات القرن الميلادي الماضي، كنت وقتها في الثامنة عشرة من العمر. ذهبت إلى هناك بدعم كامل من الوالد -رحمه الله-. فور وصولي اشتريت دراجة نارية مستعملة لمساعدتي في التنقل بين سكني الواقع بالقرب من جادة يوكلد (Euclid Avenue) والجامعة. في صيف ذلك العام لم يكن وجود طلاب عرب ناهيك عن الطلاب السعوديين أمراً معتاداً. في مساء أحد أيام نهاية الأسبوع ذهبت إلى منطقة بحيرة إيري (Eary Lake) في شمال مدينة كليفلاند، كان بها متنزه كبير يعج بسكان المدينة والزوار، ويوجد بها مطاعم لمختلف أنواع الأطعمة، ومقاه، وملاعب. فجأة وأنا أنظر حولي مندهشاً فلم أكن متعوداً على هذا النوع من التجمعات، في الأثناء شاهدت شخصا يُلَوِح لي بيده من داخل أحد محلات بيع الوجبات السريعة. ذهبت إليه وإذا به مهاجر من أصول فلسطينية كنيته (أبو محمود) من مدينة بيت لحم بفلسطين المحتلة، يملك محلاً لبيع الكباب والكفتة، وبعد أن عرفته بنفسي وأني من أبناء مكة المكرمة في دورة مدتها ثلاثة أشهر لدراسة اللغة الإنجليزية عرض علي مساعدته في أعمال بيع الطعام مساء يوم الجمعة ويومي السبت والأحد مقابل خمسة دولاراتٍ عن كل ليلة بما مجموعه خمسة عشر دولارا نهاية كل أسبوع، مع وجبة طعام للعشاء وأخرى آخذها معي للسكن. اتصلت بالوالد -رحمه الله- وشرحت له ما قُدِمَ لي من عرض، وذكرت له أنها في نهاية الأسبوع، شجعني وقال -يرحمه الله-: «جيد توكل على الله وخليك رجّال». عملت مع ذلك الشخص الذي كان يعاملني معاملة الأب للابن لمدة ثلاثة أشهر تعلمت فيها الكثير، كان العم (أبو محمود) حريصاً علي ويعاملني معاملة الأب لابنه، أذكر أنه عرض علي البقاء في مدينة كليفلاند بعد انتهاء الدورة، كان هو في الخمسينات من العمر وحديث الزواج من امرأة أمريكية. لقد منّ الله علي بهذه التجربة الجميلة والتي بسببها لم أصرف أي مبلغ مما كان معي. إضافة لاكتسابي الكثير من الخبرات في فن التعاملِ مع الآخرينِ، كما أن لغتي تحسنت كثيراً بفضل هذه التجربة. بقيت على تواصل مع (أبو محمود) بعد عودتي للمملكة، استضفته عند أدائه فريضة الحج، وكان دائماً يشيد بي أمام الوالد -رحمه الله-. بعدها بسنوات تلقيت اتصالاً هاتفياً من زوجته تخبرني فيه بأن أبا محمود قد اختاره الله إلى جاره رحمه الله رحمة واسعة.