حوار - جابر محمد مدخلي:
روائية ترى أنّ الكتابة المُباشرة هي الأقل ضررًا، وكُلفةً على المؤلف؛ لأنها لن تكلفه غير الواقع الذي سيستلهم من أحداثه، وقصصه أعماله الروائية. وهذا ما شعرتُ به حقًا وأنا أقرأ روايتها الأخيرة «الأعرج». جاءت إلى الرواية لتقول ما عجزت عن قوله من خلال الأنواع الأدبية الأخرى فكتبت أعمالاً كما رأتها مترافعة عن المرأة. هي الروائية شهد الغلاوين، التي تلتقيها الجزيرة الثقافية في حوار نصه الآتي:
- بين عملك الأول «فتاة سيئة» و»نشوق» بدت لي إيحاءات بتداخلات تكاد تجمعهما فالبطلة في «نشوق» أحداثها جعلتها «فتاة سيئة» فعلاً فهل كتبت إحداهما تفسيرًا للأخرى؟
- هي حاله انتقالية من مرحلة تأنيب الضمير في (فتاة سيئة) رغم أنها لم ترتكب أدنى جرم لهذا الوصف إلى مرحلة الشعور بالذنب حقيقة في (نشوق) وعليه تعمق هذا الشعور في داخلها لتقبل الحقيقة بكل أشكالها المؤلمة. مجرد التصالح مع كونك ضحية يختلف كلياً عن كونك ذنباً وعليه تبني حياة بأكملها، وهذا ما شعرت به في نشوق حين عاشت الحياة بلا أخلاقيات لأنها فقط من مجهولي الهوية!
- في روايتك «نشوق» افتتحت باستهلال شرحت تأنيث الرواية منذ البداية وأنها رواية تحول مدينة إلى امرأة.. مع أنّ النص جاء عن امرأة «ريحانة» التي قلبت عالي المُدن التي سكنتها إلى سافلها، فكيف يمكننا التوفيق بين الاستهلال والأحداث؟
- المرأة في تفاصيلها تشبه المدن في تضاريسها:
البيئة، التنشئة، المجتمع نفسه يختلف من مدينة لأخرى وتأثير ذلك يختلف من امرأة لأخرى.
هناك امرأة تحمل هوية المدينة التي تنتمي إليها، وربما ريحانة لم يكن لها انتماء تجاه أي شيء في الدنيا سوى المدينة التي تأصلت في روحها لذا هربت من القرية إلى المدينة التي لا تعرف حقيقتها!
- رواية «نشوق» نص جريء.. هل أنتِ مع توظيف مثل هذه الجرأة في النص لجذب القارئ؟ أم لتفكيك خطاب الشخصيات وحالات الأبطال وفقًا لمتطلبات الحدث؟
- لم يكن في فكرتي مسبقاً أن أتناول العمل بهذه الطريقة المباشرة ربما جرأة العمل مؤذية للمتلقي لكن الفكرة أتت ولم يكن لي أن أتلطف في تقديمها، الوجع الذي تشعر به امرأة بلا هوية أعظم
- جاءت لغة «نشوق» مباشرة، ومفاجئة في كثير من فصولها، فهل تضاءلت اللغة برمزيتها، ومصطلحاتها في أن تمدّك بلغة أقلّ شفافية!؟ وهل ترينها رواية مترافعة عن المرأة؟
لم يكن لهذه الشخصية المرعبة التي تكونت من ضغوطات نفسيه أن تعرض بشكل أقل حدة وبلغة رمزية، والشفافية في الطرح مؤذية لكن هذه الحقيقة كما هي دون رتوش. تقول ريحانة بطلة رواية نشوق: «شفافيّتي تجرح من حولي، رغم أني لا أظهرها بنّية ذلك أبدًا، لكن العار مؤلم لو صفعت نظراتهم وجهك دون أن يصلك تبرير بأن لا يد لك في كلّ ذلك.
- في رواية «نشوق» قرأتُ نصًا موازيًا بدأ من صفحة 92 وانتهى بصفحة 105 أليس هذا كثيرًا بنظرك؟
- مشهد من حياة أخرى موازٍ لهذه الحياة التي ربما يشكك البعض في مصداقيتها لكن نحن لا نقف على مشهد واحد نحتاج إلى مواقف مشابهه لنقف عندها.
- في روايتك الثالثة «الأعرج» شرحتِ في المقدمة والإهداء ما يؤكد أنّ هذه الحكاية حقيقية، وسعت عباراتك للتأكيد على ذلك.. فهل كانت محاولة منك لإقناع القارئ؟ أم لتأكيد واقعية النص لجذب القارئ أكثر فأكثر؟
- هذه الحكاية واقعية لدرجة كبيرة ولم يكن في طريقة سردي لها أي محاولة من هذا النوع لكن المفاجأة أن وصلتني رسائل كثيرة من الرجال الذين قرؤوا هذا العمل ووجدوا تفاصيل كثيرة تشبه ما عبروا فيه من يتم وألم وفقد لأمهاتهم رغم أنهن على قيد الحياة.
والأجمل أن هناك أبًا أخذ حضانة أطفاله عنوة وبعدما قرأ هذا العمل أعادهم لأمهم لأنه خشي أن يصل هذا الوجع واليتم لقلوب أطفاله كما حدث مع الأعرج.
- «الأعرج» عبارة عن عشر مذكرات، كلها يجمعها الحُب كثيمة أساسية متغيرة من مشهد لآخر، وبلغة منسجمة مع شعور الحكاية المُذاب بالألم.. بطلك هنا جاء من الواقع كما أكدت ذلك، فهل استطاع أن يحتمل كل هذا الأذى حقًا؟
- هي طاقة تحمل تختلف من شخص لآخر..
الرجل الذي يتحمل فقد أمه وهي ما زالت على قيد الحياة، يستطيع مجابهة الحياة بلا أدنى شعور.. لكن الأعرج لم يتحمل هذا الفقد حتى فقد عقله.
- كتبت أعمالاً عدة درامية ولكنها لم تصل للقنوات المُنتجة حتى الآن، ما الذي يحتاج إليه الكُتّاب برأيك لتصل من خلاله أعمالهم الدرامية التي قد يُصدمون في لحظة ما بأنها تحمل أفكارهم في مسلسلٍ ليس من كتابتهم؟
أعتقد المعارف أولاً ثم الجودة.. ولأخبرك أني طرقت أبواب القنوات والمنتجين لكن لم يستقبل العمل رغم أن الأغلبية أشادوا بالعمل وأنه كتب بطريقة احترافية وذلك لأني أخذت دورة في كتابة السيناريو لمدة أربعة أشهر حتى أتقنت ذلك لكنني كاتبة مغمورة ليس لدي رصيد من المعارف في الوسط لأنه مجرد رأي مخرج لقناة أو منتج معروف لعمل يعتبر تزكية وبوابة عبور لهذا العمل.
لكن الجميل أني صادفت في نافذة كلوب هاوس عبر صالون شهد الأدبي عددًا من المنتجين والمخرجين والكتاب المدهشين وهذه كانت حلقة وصل خلاقة، وربما بالقادم من الأيام يتضح مصير هذه الأعمال بإذن الله.