محمد جبر الحربي
مَا قُمْتُ إِلَّا وَكَانَ الْفَجْرُ يَنْهَمِرُ
مِنْهُ التَّجَلِّي.. وَمِنَّي الرُّوحُ وَالنَّظَرُ
كَمْ كَانَ شَيْخَاً مَهِيبَاً فِي تَلَفُّتِهِ
وَكُنُتُ طِفْلاً نَجِيبَاً.. بَاتَ يَنْتَظِرُ
النَّخْلُ وَالتينُ وَالزَّيْتُونُ مَوْعِدُنَا
وَالضَّوْءُ يُبْدِيْ لَنَا مَا كَانَ يَسْتَتِرُ
ذَا مَوْعِدُ الْحُبِّ مَا كُنَّا لِنُخْلِفَهُ
سِحْرُ الْبِدَايَةِ.. وَالْمُسْتَفْتَحُ النَّضِرُ
مَا لِلنِّهَايَةِ عِنْدَ الْقَلْبِ مُتَّسَعٌ
فَالْخَيْرُ زَاهٍ.. وَفِينَا عَامِرٌ دَرَرُ
لَوْلَا دِمَاهُ لَمَا كَانَتْ قَصَائِدُنَا
ضَوْءَاً يُنِيرُ وَلَا ضَاءَتْ بِهَا الدُّرَرُ
لِلْفَجْرِ مَجْلِسُ إِيمَانٍ لِمَنْ عَشِقُوا
أَهْلَاً وَدَارَاً وَأَوْطَانَاً.. وَلَمْ يَتِرُوا
هَذَا النهُوضُ، قِيَامُ النورِ أَجْنِحَةٌ
نَحْوَ السَّمَاءِ إِلَى أَنْ يُشْرِقَ الْخَبَرُ
آخَيْتُ فِيهِ الْنَّدى.. وَالْحُب يَدْفَعُنِي
فَلَا أَرَانِي سِوَى مَا يَكْتُبُ الْقَدَرُ
أَنَا الْمُحَمدُ فِي أَهْلِي وَفِي وَطَنِي
بَيْتِي عَلَى الشكْرِ غَيْثُ اللهِ مُنْهَمِرُ
أَقُولُ شِعْرِي وَلَا أَحْتَاجُ تَرْجَمَةً
فَالطَّيْرُ تَعْرِفُنِي وَالْمَاءُ وَالشجَرُ
وَالسرُّ وَالْجَبْرُ.. أَنْ يَبْقَى بِنَا ثَمَرٌ
مُخَلَّدٌ لَا يَجِفُّ الْغُصْنُ وَالثَّمَرُ
وَتَمَّ يَا «جَبْرُ».. مَا كُنَّا نُؤَمِّلُهُ
قَدْ يُكْتَبُ الشِّعْرُ فِينَا ثُمَّ يَنْتَشِرُ
كُنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ كَمْ حَارَبْتُمُ دُوَلَاً
وَالْأَصْلُ فِي السِّلْمِ حَرْبٌ(1) نِعْمَ مَا بَذَرُوا
كُلِّي امْتِدَادٌ.. لِمَا قَدَّمْتُمُ سَلَفَاً
النَّخْلُ وَالشِّعْرُ.. وَالْعِطْرُ الذِي نَشُرُوا
فَالشِّعْرُ يُكْتَبُ فِي رُوحِي فَتُنْشِدُهُ
أَسْمَاءُ مَنْ رَحَلُوا أَوْ مَاءُ مَنْ حَضَرُوا
وَالشِّعْرُ يَعْلُو مَعَ الْأَفْلاكِ يَصْحَبُهَا
وَالشِّعْرُ يَدْنُو إِذَا مَا هَزَّهُ وَتَرُ
وَالشِّعْرُ َرُؤْيَةُ أَيَّامٍ لَنَا سَلَفَتْ
تَنْهَالُ مِنْهَا لِجِيلٍ قَادِمٍ صُوَرُ
مَا كَانَ خَصْبٌ لَنَا فِي تِيهِ حَاضِرَةٍ
إِلَّا وَكَانَ لَهُ مِنْ مُزْنِنَا مَطَرُ
هُنَّ الْقَصَائِدُ نَجْمَاتٌ تُرَافِقُنِي
الضَّوْءُ مِنْهَا وَحَرْفِي الشَّمْسُ وَالقَمَرُ
وَأَنْتِ يَا مَنْ سَكْنْتِ الْقَلْبَ يَا فَرَحَاً*
رَمْزُ النَّجَابَةِ.. إِذْ تَزْهُو فَنَفْتَخِرُ
فِيكِ الطفُولَةُ.. أَسْرَارٌ مُخَبَّأَةٌ
النُّبْلُ، وَالْجُودُ، وَالْمُسْتَنْفَرُ الْحَذِرُ
دَانَتْ لَكِ الْخَيْلُ إِذْ تَأْتِي طَوَاعِيَةً
وَهُنَّ قَبْلَ سَنْاكِ الْجُرْدُ وَالشَّرَرُ
الْعَادِيَاتُ عَلَى الدُّنْيَا بِأجْمَعِهَا
المُدْنِيَاتُ لِأَهْلِ الْعَزْمِ مَا انْتَظَرُوا
الْغَالِبَاتُ مَعَ الْأَحْرَارِ.. دَيْدَنُهَا
أَنْ تَشْهَدَ الرَّايَةَ الْخَضْرَاءَ تَنْتَصِرُ
هَا قَدْ خَضَعْنَ وَبِتْنَ الْحُسْنَ فِي رَسَنٍ
ثُمَّ ارْتُهِنَّ لِمَنْ فِي حُسْنِهَا حَوَرُ
الطَّفْلَةُ المُهْرَةُ الْحَسْنَاءُ مَنْزِلُهَا
قَلْبُ الْيَمَامَةِ حَيْثُ السرُّ وَالْخَفَرُ
حَتَّى غَدَتْ فرَسَاً تَمْضِي عَلَى فَرَسِ
تُسَابِقُ الرِّيحَ تَسْتَهْدِي وَتَبْتَكِرُ
يَا فَخْرَ أَهْلِكِ إِنَّ الْبَدْرَ مُكْتَمِلٌ
حَيِّ الْقَبَائِلَ جَادَ الْغَيْثُ يَا مُضَرُ
وَأَنْتَ يَا مَوْطِنَ الْأَشْوَاقِ يَا وَطَنَاً
يَا نَبْضَ أَوْرِدَةِ الْعُشَّاقِ يَا مَطَرُ
يَا سَاكِنَاً فِي دَمِي.. بِالْحُبِّ أَنْقُلُهُ
لِلْخُلْدِ بِالْحَرْفِ.. حَتَّىَ يُحْفَظَ الْأَثَرُ
يَا جَامِعَ الْشَّمْلِ وَالْأَضْدَادِ فِي عَلَمٍ
الشَّمْسُ بَعْضُكَ.. وَالْأَرْضُونَ وَالْقَمَرُ
بِالْحُبِّ نَحْنُ فَذَا قَيْسُ(2) الذِي حَفِظَتْ
إِبْدَاعَهُ السَّاحِرَ الجُدْرَانُ وَالْأُطُرُ
فَصَارَ تَوْبَادُهُ لِلنَّاس رَاوِيَةً
يَرْوِي عَنِ العِشْقِ مَا لَا يَعْرِفُ الْبَشْرُ
وَالْحُبُّ نَحْنُ.. بِنَا الْإِيمَانُ يَرْفَعُنَا
نُهْدِي السَّلَامَ عَلَى الدُّنْيَا فَتَعْتَمِرُ
أَمَّا جَرِيرُ(3).. فَأَنْغَامٌ نُرَدِّدُهَا
فِي وَصْلِ مَنْ وَصَلُوا أَوْ هَجْرِ مَنْ هجَرُوا
«حَيِّ الْمَنَازِلَ.. إِذْ لا نَبْتَغِي بَدَلَاً
بِالدَّارِ دَارَاً».. فَفِيهَا الرُّوحُ، وَالْعُمُرُ
قُلْ لِلرِّيَاضِ التِي فِي الْقَلْبِ حَاضِرَةً
نَسْعَى إِلَيْهَا «وَمَخْبُوءٌ لَنَا الْقَدَرُ»(4)
مَهْمَا ارْتَحَلْنَا.. لَنَا عَوْدٌ لِنَحْضْنَهَا
عِطرُ الشمِيمِ.. وَقَلْبٌ سَاحِرٌ عَطِرُ
لَوْ تَطْلِبِينَ كِتَابَ الْعِشْقِ نَكْتُبُهُ
أَوْ تَأْمُرِينَ بِأَنْ نُغْضِيْ.. سَنَأْتَمِرُ
مَنْ غَيْرُنَا الْغَزَلَ الْعُذْرِيَّ دَوَّنَهُ
ومَنْ سِوَانَا.. إِذَا شَبَّ الْهَوَى ذُكِرُوا..؟!
هَلْ تَعْلَمِينَ لَنَا ذَنْبَاً.. وَنَذْكُرُهُ
أّنَّا اقْتَرَبْنَا.. وَأَنَّا فِي الْهَوَى السُّوَرُ
أَوْ «تَعْلَمِينَ وَرَاءَ الْحُبِّ مَنْزِلِةً
تُدْنِي إِلَيْكِ»(5).. فَإِنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ
مَا كَانَ مِنَّا.. غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ رَحَلُوا
إِثْمٌ.. سِوَى لَمَمٍ يُدْنِي وَيُغْتَفَرُ
نَحْنُ الذِينَ جَمَالُ الْحُبِّ يَأْسِرُنَا
وَنَحْنُ أوَّلُ مَنْ بِالْحُبِّ قَدْ أُسِرُوا
أَمَّا الْحِنُينُ إِلَى نَجْدٍ فَقَاتِلُنَا
فَاقْرَأْ خُرَاسَانَ.. تَدْوينَاً لِمَنْ فُطِرُوا
عَنِ الْغَضَا يُوجِزُ بْنُ الرَّيْبِ(6) رِحْلَتَهُ
فِي جَيْشِ عُثْمَانَ دَمْعَاً وَهْوَ يَحْتَضِرُ
مَا كَانً لِلصّمَّةِ(7) الْمَفْتُونِ مُصْطَبَرٌ
خِلٌّ تَنَاءَى.. وَخِلٌّ مَاتَ يَسْتَعِرُ
وَخَلْفَهُ سَارَ عُشَّاقٌ وَأَلْوِيَةٌ
يَا شَاتِمَ الْبَدْوِ.. إِنَّا الرُّوحُ وَالْسَّفَرُ
وَالْيَوْمَ أَقْرَأُ تَارِيخِي فَيَرْفَعُنِي
إِلَى الثُّرَيَّا.. وَشُكْرِيْ فَارِعٌ خَضِرُ
كُلُّ الْكُنُوزِ هُنَا فِي مَوْطِنِي فُتِحَتْ
لِلْعَابرِينَ.. وَكَمْ فِي الْخَلْقِ مَنْ عَبَرُوا
إِنَّا ارْتَأَيْنَا.. بِأَنْ تَبْقَى حَضَارَتُنَا
رَمْزَاً وَضِيئَاً.. فَكَانَ الْفِعْلُ والْفِكَرُ
مَا هَمَّنَا بَعْدَ أَنْ صُنَّا مَبَادِئِنَا
إِنْ يَشْكُرِ الْخَلْقُ مَسْعَانَا.. وَإِنْ كَفَرُوا
فَنَحْنُ مِنْ أُمَّةٍ بِالنُّورِ قَدْ عُجِنَتْ
فِيهَا النُّبُوءَةُ، وَالْآيَاتُ، والْعِبَرُ
كصَالِحٍ فِي ثَمُودٍ حِينَمَا بَطِرَتْ
يَبْغِي هُداهُمْ.. وَإِنْ صَدُّوا وَإِنْ عَقَرُوا
وَجَاءَ بالدِّينِ إِبْرَاهِيمُ يَصْحَبُهُ
كَيْ يَبْنِيَ الْبَيْتَ إِسْمِاعِيلُ.. فَاعْتَبِرُوا
حَتَّى أَتَانَا.. خِتَامُ الْأَنْبِيَاءِ هُنَا
عَلَى الصِّرَاطِ.. شَفِيعَاً يَوْمَ نُخْتَبَرُ
لِأَرْضِنَا.. جَاءَ مُوسَى وَهْوَ مُلْتَجِئٌ
وَكَانَ فِينَا شُعَيْبٌ.. وَهْوَ يَنْتَظِرُ
هِذِي حِكَايِةُ أَوْطَانٍ.. غَدَتْ وَطَنَاً
مُوَحَّدَاً ..يَصْطَفِيهِ الْخَيْرُ، وَالْغُرَرُ
إنْ قَامَ فِي فَجْرِهِ.. إِنَّا بِهِ فَرَحٌ
أَوْ قَامَ فِي لَيْلِهِ.. إِنَّا بِهِ السَّهَرُ
كَأَنَّنَا وَالصَّلَاةَ الروُّحُ يَرْفَعُنَا
عَذْبُ الدُّعَاءِ خُشُوعَاً نَحْنُ وَالسَّحَرُ
والطَّيْرُ فِي رِقَّةِ الْأَوْقَاتِ تَصْحَبُنَا
يَا لِلصَّفَاءِ.. كَأَنَّ الدَّمعَ يَنْحَدِرُ
يَا أَيُّهَا الْبَحْرُ.. يَا دُرِّيُّ يَا وَطَنَاً
فِي صَفْوِهِ صَفْوُنَا.. أَوْ هَاجَ نَكْتَدِرُ
مُرْنَا نَكُنْ.. حَيْثُ تَبْغِينَا مَنَازِلُنَا
حُدُودُنَا أَنْتَ، أَيْ لَا حَدَّ يَخْتصِرُ
نَطْوِي الْمسَافَةَ.. لَا خَوْفٌ يُخَالِجُنَا
الْأَمْنُ أَنْتَ.. فَلَا إِرْهَابَ يَسْتَتِرُ
فَالْحَمْدُ للهِ.. نِلْنَا فِيكَ غَايَتَنَا
لِلْمَجْدِ نَعْلُو.. وَفِينَا تُكْ تَبُ السِّيَرُ
وَالْحَمْدُ للهِ حَمْدَاً فَاقَ مُجْمَلَهُ
أَنَّا الْمِيَاهُ.. وَأَنْتَ الْغَيْثُ وَالْمَطرُ
طَاغٍ جَمَالُكَ.. مَحْفُوفٌ بِأَوْرِدَةٍ
يَفِيضُ مِنْهَا جَلِيلُ الْحَرْفِ، وَالْوَتَرُ
مَا أَجْمَلَ الشِّعْرَ إِمَّا كُنْتَ تَسْكُنُهُ
رَمْزَ الْفَخَامَةِ.. إذْ عُنْوَانُكَ الظَّفَرُ
إِنْ قِيلَ ذَا وَطَنٌ فَخْمٌ وَشَاعِرُهُ
أَقُولُ طُوبَى.. فَإِنِّي الشَّاعِرُ الذَّكَرُ
... ... ... ... ...
* فرح أحمد القاسم.
(1) حرب القبيلة الأنصارية.
(2) قيسُ بن الملوح: العصر الأموي (مجنون ليلى) شاعر من العصر الأموي. (24هـ/ 645م - 68هـ/ 688) من أهل نجد.. وشاهد قصة عشقه جبل التوباد:
مَتَى يَشْتَفِي مِنْكِ الفُؤادُ الْمُعَذَّبُ
وَسَهْمُ الْمَنَايَا مِنْ وِصَالِكِ أَقْرَبُ
فَبُعْدٌ وَوَجْدٌ، وَاشْتِياقٌ وَرَجْفَةٌ
فَلَا أَنْتِ تُدْنِينِي.. وَلَا أَنَا أَقْرُبُ
كَعُصْفُورَةٍ في كَفِّ طِفْلٍ يَزُمُّهَا
تَذُوقُ حِيَاضَ الْمَوْتِ وَالطِّفْلُ يَلْعَبُ
فَلَا الطِّفلُ ذُو عَقْلٍ يَرِقُّ لِمَا بِهَا
وَلَا الطَّيْرُ ذُو رِيشٍ يَطِيرُ فَيَذْهَبُ
وَلِيْ أَلْفُ وَجْهٍ قَدْ عَرَفتُ طَرِيقَهُ
وَلَكِنْ بِلَا قَلْبٍ.. إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ
(3) جرير: هو جرير بن عطية الكلبي التميمي (33هـ - 110هـ/ 653 - 728م) (العصر الأموي) من قلب نجد: ديار «الوشم»: «ثرمداء»، و»أثيفية» (اثيفيه)، و»مرات»، من شعراء النقائض، مدح خلفاء بني أمية، ولازم الحجاج أكثر من عقدين:
بانَ الخَلِيطُ وَلَو طُوِّعتُ ما بانَا
وَقَطَّعوا مِن حِبالِ الوَصْلِ أَقْرَانَا
حَيِّ المَنازِلَ.. إِذ لا نَبتَغِي بَدَلاً
بِالدارِ داراً وَلا الجِيرانِ جِيرَانَا
يا رُبُّ عائِذَةٍ بِالغَوْرِ لَو شَهِدَتْ
عَزَّت عَلَيها بِدَيْرِ اللُّجِّ شَكْوانَا
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرْفِهَا حَوَرٌ
قَتَلنَنَا.. ثُمَّ لَم يُحْيِينَ قَتْلانَا
يَصْرَعْنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ
وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانَا
(4) كعب بن زهير بن أبي سلمى
(5) بشار بن برد
(6) هو الشاعر التميمي مالك بن الرَّيْب بن حوط بن قرط بن حسل بن عاتك بن خالد بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، من العصر الأموي، نشأ في نجد وهو أحد فرسان بني مازن. وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان -ابن الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنهما- وهو متوجه لإخماد فتنة بأرض خُرَاسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد فذهب معه وأبلى بلاءً حسناً وحسنت سيرته، مرض مرضاً شديداً أثتاء عودته من خراسان، فقال قصيدة يرثي فيها نفسه، والتي عُرِفت ببكائية مالك بن الريب التميمي:
أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني
يقرُّ بعيني إنْ سهيل بدا لِيَا
فيا صاحبيْ رحْلِي دَنَا الموتُ
فانزلا برابيةٍ إني مقيمٌ ليالِيَا
أقيمَا عَليَّ اليْومَ أو بعضَ ليلةٍ
ولا تعْجُلاني قد تبيّنً ما بِيَا
(7) الصِّمَّة بن عبد الله بن الطفيل بن قرَّة بن هبيرة القشيري، وقشير من بني عامر بن صعصعة، ينتهي نسبها إلى مضر بن نزار، ديار قشير، غربي نجد. تميزت بوفرة المياه التي ما فتئ يذكرها في شعره من مثل مياه شعبعب. وكان حنينه إلى نجد موجعاً، ومن ذلك حبه العارم لابنة عمه رَيَّا وترد طيّا، التي ما فتئ يذكرها في شعره، ويحنُّ إليها بعد نزوحه عن دياره غازياً في جيش عثمان بن عفان، من ذلك عينيته الشهيرة التي منها:
قِفا وَدِّعا نَجْدَاً.. وَمَن حَلَّ بِالحِمى
وَقَلَّ لِنَجْدٍ عِندَنا أَنْ يُوَدَّعَا
بِنَفسيَ تِلكَ الأَرضُ ما أَطيَبَ الرُّبَا
وَما أَحسَنَ المُصطافَ وَالمُتَرَبَّعَا
وَأَذكُرُ أَيَّامَ الحِمى ثُمَّ أَنثَني
عَلى كَبدي مِن خَشيَةٍ أَن تَصَدَّعَا