د. فهد بن علي العليان
أعترف أنني سمعت من الصديق (أ.د. عبدالله الوشمي) وقرأت له عبارات ما زالت باقية مستقرة في ذاكرتي وأصبحت تتردد على لساني، ومنها أنه كثيرا ما يستعمل بأسلوبه الخاص المميز عبارة (شكرا لفضلك)، ثم إنه كتب في تويتر قبل سنوات عبارة لا تملك معها إلا أن تعيد قراءتها مرات وتتأملها؛ إذ قال: «حين كبّر جدي مصلياً على أبي رحمهما الله؛ كان يبكي على التاريخ، وكنت أبكي على المستقبل». نعم، إنه ابن (صالح الوشمي) الذي له تاريخ مجيد، وجميل أدبي يعرفه أهلنا في (بريدة) ويثمنون له أشياء كثيرة، ليس هذا وقت الحديث عنها، لكن ابنه (الشاعر) يقول عنه:
أدري برحمة ربي أنّ غرفته
ملأى من الحب والتسليم والآلِ
أبي وقفتُ أنا تمثال بسملة
على ترابكَ فاقرأ طيف تمثالي
هذي حروفي وأنت الأول انتثرتْ
خذها إليك وأوقد شمعة التالي
الحديث هنا في حروف عجلى عن (الأستاذ) الحاصل على الدكتوراه في البلاغة والنقد الأدبي، وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعن الشاعر الذي نال المركز الأول في «جائزة الأمير فيصل بن فهد للإبداع الشعري»، وعضو «نادي القصيم الأدبي»، ورئيس «النادي الأدبي في الرياض»، وهو حديث كذلك عن (مثقف) أبدع في المجال الإعلامي؛ حيث عمل معدّاً ومقدّماً للبرامج التفزيونية «أكاديميات»، و»ضيف الأسبوع»، و»المنتدى الثقافي».. ولا بد أن نذكر بأن (الوشمي) أصدر عدة دواوين، وهي: «ينتظر أن»، و»البحر والمرأة العاصفة»، و»قاب حرفين»، و»شفاه الفتنة»، وعدة كتب منها: «سراج القصائد»، و»مآخذ النقاد على معاني أبي تمام»، و»فتنة القول بتعليم البنات».
كتب عنه (د. أبو أوس) يوم السبت 28 سبتمبر 2019م في الجزيرة/ (الثقافية) فقال: «والدكتور عبدالله الوشمي شاعر ابن شاعر ابن شاعر، وهو شاعر حين يسمعك شعر غيره فيتخير ما يؤنس ويطرب، وهو لا يعوزه الاستشهاد بما استظهره من أشعار العرب، وهو شاعر في لغته التي يحدثك بها وهو شاعرفي سلوكه وتعامله الذي يلقى به من حوله، هو شاعر يسعدك أن تعمل معه وتجله وتحترمه. وأما شعره فهو آيات بينات على امتلاكه ناصية اللغة واقتداره، لم يمنعه استهلاك المعاني الشعراء عن طرقها طرقًا ذكيًا مختلفًا، استثمر جميل محفوظه في تطريز قصائد جياد تملك على القارئ أو السامع نفسه وتلامس شغاف قلبه»
من أولى اللقاءات التي جمعتني بالعزيز (أبو فراس) حين شاركنا سويا في الوفد الثقافي للأيام الثقافية السعودية - التونسية الذي أقيمت في تونس عام 1426هـ. في تلك الرحلة كان الوقت وكانت الفرصة المناسبة للتعرف على شخصه الكريم وشخصيته الأنيقة، تحدثنا كثيرا في تلك الرحلة عن أشياء كثيرة مع مجموعة من مثقفي وطننا الغالي، ثم كانت الليلة الماتعة التي سحرنا بها (أبو فراس) بشعره، وحلق بنا على ارتفاعات عالية. لقد كانت أمسية شعرية أنيقة مثل أناقته وجميلة كجمال روحه. أكملنا معا تلك الأيام بلياليها المليئة بفعاليات متنوعة، والتي كانت شاهدا على العمق الثقافي والمعرفي للمشاركين من المملكة، ثم عدنا إلى الرياض لتستمر العلاقة مع الشاعر والمثقف بكل تفاصليها ومحطاتها، حيث كنت التقيه في ثلوثية المشوح يدير دفة حواراتها بعلاقة حميمة مع ربانها (محمد المشوح)، ثم نلتقي ونتشارك في اللقاءات الثقافية التي تقيمها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة؛ إذ إنه لم يتردد في المشاركة، ويرحب ويقدر كل الحراك الثقافي المتنوع الذي تقيمه المكتبة، إلى أن أصبح عضوا في مجلس إدارتها.
ومع مرور الأيام، يزداد صاحبنا رفعة وحضورا داخل أروقة جامعة الإمام، وفي دهاليز وزارة التعليم العالي؛ إذ تولى مسؤولية منصب الأمين العام لـ»مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية»، فقضى فيه (أبو فراس) سنوات سمان، قدم من خلالها جهده، وبذل وقته لإقامة العديد من البرامج والفعاليات داخل المملكة وخارجها من أجل حضور اللغة العربية في المحافل كلها وفي دول متعددة في مقدمتها الصين، بالإضافة إلى تبني المركز العديد من الإصدارات العلمية المتخصصة والدوريات المتعلقة باللغة العربية. كان في كل تلك السنوات لا يهدأ؛ إذ ينتهي من برنامج ليبدأ برنامجا آخرا بالتعاون مع العديد من الجامعات والجهات ذات العلاقة، ثم قرر ليستريح، ولم يكن يعرف أنه سيبدأ مرحلة أخرى مع وزارة الثقافة مستشارا، إلى أن صدر قرار وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء (مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية) بتكليفه أمينا عاما للمجمع منذ 21 فبراير 2021، وهذا لعمري شرف حازه (أبو فراس) وهو لذلك أهل، إذ إن تخصصه وتجاربه وممارساته ستعينه على القيام بهذه المهمة التي أوكلت إليه.
وما بين اللقاء به في تونس قبل سنوات، ولقائي به قبل أسابيع في افتتاح معرض الخط العربي في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، كان اللقاء به في جلسة ثنائية صافية عزيزة على نفسي. وهنا، أريد أن أقول: إني لا أزعم أن هذه رحلة في أعماق (د. عبدالله الوشمي)، لكنها تحكي مسيرة نجاح (شاعر) تحركه مشاعره، يحكيها أخوه الذي لا يستطيع كتم مشاعره، مع الاعتراف بأني لم أعط الرجل حقه في الحديث عن تخصصه العلمي بوصفه أستاذا في قسم البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولم أتحدث عن إصداراته العلمية ودواوينه الشعرية، إذ يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، لكنني سأردد معكم أبياته الشعرية:
ضعافًا
نعود إلى البيتِ
مهما كبرنا
فلا صدر يحتضن المنجزاتِ
ولا قلب يستوعب الشهقاتْ
ضعافاً
نعود بلا أمنياتْ
ويبقى (صاحبنا) ذا أخلاق رفيعة وقيم نبيلة لا تغيره الأماكن، ولا يتغير مع الزمن.
( النجاح ... خطوات )..