منذ تسلّم خطاب الشكر مع المكافأة المالية لم تعد حياته كما كانت؛ نبوغه ومبادراته وإخلاصه لفتت الأنظار إليه، فما بين معجب وحاسد ومستفيد ومتربص، تشكلت بتلك المشاعر علاقاته وارتباطاته بالزملاء في المؤسسة التي يعمل بها.
لديه قدرات فائقة على وضع الحلول وابتكار التطبيقات الجديدة والمفيدة.
قرّبه المدير واحتضنه، بل زاد في احتضانه لدرجة الحصار ليكون هو المستفيد الأول من قدراته، ثم تطوّرت رغباته ليكون المستفيد الوحيد من هذا الكنز المعرفي والإبداعي.
لم يكن لدى عدنان أي تردد في تقديم المساعدة للإدارة والمراجعين، لكن هذا التميّز جلب له مضايقات كثيرة.
هو يبتكر الحلول ومَن حوله يبتكرون له المعوقات ويضعونها في طريقه كل يوم.
صرف له المدير إحدى سيارات الإدارة لكثرة استدعائه للعمل، فبدأت رحلة التشويه. تمّ تصوير السيارة أمام بيته، وزُوّدت جهات مكافحة الفساد ببلاغ ضدّه.. إذ كيف يجمع بين السيارة وبدل المواصلات؟
فاتورة الهاتف تتضمن اتصالات بجهات خاصة، ولا تحسم تكلفتها من راتبه، ولَم تكن سوى لهاتف المدير والزملاء الفنيين.. غلّاية الماء في مكتبه تخالف تعليمات الأمن والسلامة؛ إذ وجدت أكثر من مرّة موصولة بالكهرباء بعد وقت الدوام.
إشغالٌ وإزعاج متواصل، وصرفٌ عن مهامه ومشاريعه النوعيّة بهذه التّهم والتحقيقات التافهة.
الإدارة لم تقدم له أية حماية فما يشغلها تجاهه هو الخوف منه لا الخوف عليه.
قدّم مشروعًا لتوليد الطاقة الكهربائية كمنتج ثانوي وبلا تكلفة تقريبًا من شبكة المياه العامة. لم يستوعب مديره الانتهازي تلك الفكرة فرفضها.
استخدم المتربصون مشروعه هذا ضده بالسخرية والاستهزاء به.
لم يكن عدنان منغمساً في عالم الصراعات والتنافس الإداري مع أحد؛ لذا لم يلاحظ تلك المعوقات بما تستحق من حيطة وحذر. رئيسه يرفع كل المقترحات والحلول باسمه هو لا باسم عدنان. الزملاء شَغَلَتهُم الغيرةُ والهنّات لتضخيمها وإرباكه بها.
أحد الملحقين العاملين بسفارة أجنبية علِم بقدرات عدنان ونبوغه؛ رتّب مع حكومة بلاده لاستقطابه. زاره متنكرًا كمندوب مبيعات لإحدى الشركات، فسلّمه عرضًا رسميًا يتضمن راتبًا مفتوحًا يقرّره عدنان بنفسه، ومنزلا، وخدمات مجانية كاملة، وفوق هذا دعوة من حكومة تلك الدولة لتتشرف بمنح الجنسية له فور وصوله لأرض المطار، وترتيب مقابلة خاصة مع رئيس الوزراء لمناقشة كل التسهيلات التي يطلبها لتحقيق مشروعه فائق الأهمية للبشرية كلها.
تردّد عدنان..
لم يضغطوا عليه بل طلبوا منه أن يحاول مرة أخرى مع إدارته لاعتماد فكرته ومشروعه، فإن تعثّر أو رُفِض فما عليه سوى الاتصال برقم السفارة لتصله التذكرة بالدرجة الأولى ولزوجته وابنه مع كامل المزايا المقدمة بالعرض.
أعاد طرح مشروعه.. أهملوه، ولَم يناقَش، ولا طُلبت منه أية معلومة حوله.
في جلسة عابرة بمقهى مجاور لمقر عمله سمع حواراً بين اثنين، يقول أحدهما: راحت علينا.. وتصادف على الشاشة محمد عبده يغني: اغنم زمانك..
انتفض عدنان..
بعد أسبوعين كان بالطائرة يربط حزام المقعد.. وقد أصرّ على أن يكون كرسيّه بعيدًا عن النافذة.. متوجهًا مع زوجته وابنه ومشروعه ونبوغه إلى هناك..
لقد حصلوا عليه.. مجانًا..
** **
- عقل مناور الضميري
akel_7@