د. عبدالحق عزوزي
أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشدة «قمع» قوات الأمن للمتظاهرين في تشاد، وذلك بعد مقتل شخصين في احتجاجات للمعارضة على ما تدعوه «انقلاباً مؤسساتياً» على الدستور. وقال ماكرون للصحافيين في قصر الإليزيه: «نريد التعبير عن قلقنا حيال التطورات، وندين بأشد درجات الحزم قمع المتظاهرين». كما شدد على تأييد باريس «الانتقال السلمي والديمقراطي» للسلطة؛ ويأتي هذا الكلام بعد حضوره مع العديد من رؤساء الدول الأفريقية، رغم المخاطر الأمنية جنازة الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي في العاصمة نجامينا. وهذا الأخير الذي حكم تشاد طوال 30 عاماً وكان أحد أهم شركاء العواصم الغربية في مواجهة الجهاديين في منطقة الساحل توفي عن 68 عاماً متأثّراً بجروح أصيب بها على خط الجبهة في شمال البلاد، بحسب ما أعلن الجيش الذي قال: إن الرئيس ذهب إلى خط الجبهة ليقود بنفسه المعارك ضد متمرّدين قادمين من ليبيا. وقال ماكرون أثناء مراسم التشييع إن فرنسا «لن تسمح لأحد بتهديد استقرار تشاد ووحدة أراضيها... لا اليوم ولا غداً». وإثر رحيل الماريشال التشادي شكّل 16 ضابطاً مجلساً عسكرياً انتقالياً بقيادة الجنرال محمد إدريس ديبي (37 عاماً)، نجل الرئيس الراحل، لحكم البلاد خلال فترة انتقالية مدّتها 18 شهراً.
ثم إنه يجري دائماً الحديث عن المتمردين في تشاد دون أن يحدد المحللون بالاسم الجهة التي تحركها أو تمولها أو القدرات اللوجيستيكية والمالية التي تملكها.
فالجهة هي «الجبهة من أجل التناوب والوفاق» وقد تشكلت في سنة 2016 أثناء التحضير للانتخابات الرئاسية إثر انشقاق عن مجموعة متمردة أخرى، تعرف باسم «اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية» المدعومة من السودان. ويقود الجبهة مهدي علي محمد، الذي درس في فرنسا قبل أن يعود إلى بلاده ويشغل وظيفة سامية في إحدى الوزارات في 2005. وكان هذا الأخير يعد من كوادر حزب «حركة الديمقراطية والعدالة» المعارضة. وفي 2008 فر من تشاد خوفاً من الملاحقة، بعد فشل انقلاب على الرئيس الراحل إدريس ديبي، الذي حكم البلاد مدة ثلاثين عاماً. وفي سنة 2015، انتقل محمد مهدي إلى ليبيا، حيث عمل مسؤولاً على إعادة تنظيم قوات محمد نوري، الزعيم التاريخي للتمرد التشادي، قبل أن يعلن إنشاء «الجبهة من أجل التناوب والوفاق» في أبريل 2016. فالجبهة من أجل التناوب والوفاق تتخذ من الجنوب الليبي معقلاً لها، وتعلمت فنون الحرب من خلال الحرب اللا متناهية في البلد الجار، كما مارست استراتيجية التحالفات حسب ما يخدم وجودها على الأرض الليبية. وتتألف «الجبهة» من الكثير من المقاتلين من مشارب عرقية متنوعة، ولكن الغالبية منها تنتمي لقبائل «التبو» المستقرة على جانبي الحدود التشادية الليبية، وللذكر فإن الرئيس السابق هو من «الغوران» إحدى هذه القبائل، التي ظل أفرادها عموماً معادين لسلطات نجامينا كما أنهم يحتلون اليوم مناصب سياسية وعسكرية عليا في تشاد وتأثيرهم في السلطة مهم.
ولا يعرف أحد بالضبط تعداد قوات «الجبهة من أجل التناوب والوفاق»، حيث تتباين التقارير بخصوص عدد المقاتلين فيها وترسانة الأسلحة التي بحوزتها، وإن كانت «الجبهة» في بداية تأسيسها أعلنت أن لديها 1500 مقاتل؛ وحسب لجنة خبراء في ليبيا تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، في تقرير أصدرته في ديسمبر كانون الأول 2019، فإن «الجبهة» لديها نحو 700 مقاتل وأعدادها في تنام مستمر.
وتنتظر محمد إدريس ديبي مهمات ليست بالهينة، أبرزها محاولة الثأر من المتمردين الذي قضوا على حياة والده، وطريقة تثبيت السلم في البلد، وامتصاص غضب المعارضة وإدارة المرحلة الحالية بشكل ذكي والتنظيم للانتخابات الرئاسية في مدة أقصاها 18 شهرا. وقد يستفيد الرئيس الشاب من مساعدة الدول الغربية وبالأخص فرنسا قوة الاستعمار السابقة، التي تعتبر نظام ديبي على أنه شريك أساسي في الحرب على الحركات الإسلامية المتطرفة في الساحل. ومنذ شهرين فقط شارك الرئيس الفرنسي عبر الفيديو في قمة جمعت قادة دول الساحل الأفريقي الخمس: بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر في العاصمة التشادية نجامينا، بحثت التمرد الجهادي في منطقة الساحل الشاسعة. وغرض فرنسا الدائم هو التمتع بدعم عسكري أوروبي خلال مهمة «تاكوبا» التي تساعد مالي في قتالها ضد المتطرفين، وهو الدعم الذي قد يخفف من التزاماتها العسكرية في المنطقة، والتشاد يعتبر حليفاً استراتيجياً في هذا الجانب.