رمضان جريدي العنزي
ليس المفلس من ضاع ماله، أو من خسرت تجارته، أو من تبخرت مدخراته، هذه الإفلاسات بالتأكيد مؤلمة ومريرة ومحزنة، وقد تؤثر في العقل والصحة، بل المفلس الحقيقي من ضاعت أخلاقه، وأعوج سلوكه، وانحرفت تعاملاته، وعاش التناقض المتراكم، ثلة من الناس انهارت لديهم القيم الإنسانية، والمبادئ الحسنة، والسلوك القويم، فأصبحت أرواحهم خاوية خالية يهيمون في الحياة بلا هدف، ويلهثون خلف سرابات خادعة، يتخبطون يمنة ويسرة، مفلسين روحياً وفكرياً، وما عندهم غير تصرفات هشة واهنة، إن الإفلاس الأخلاقي يؤدي إلى الإفلاس الروحي، وأن تجرد الإنسان من قيمه ومبادئه يعني شرخاً كبيراً في روحه لا يندمل، أن المفلسين لا يعرفون إلا إلحاق الضرر بالناس، يعيشون الكساد الأخلاقي والسلوكي والنفسي، لا يعيشون الطمأنينة الروحية، ولديهم هزات نفسية قاسية ومرعبة، إن الأخلاق الحسنة سمات الإنسان الحقيقي، بها يرتقي ويعيش ويتعامل، وحسن الخلق من أجمل منح الله وعطاياه للإنسان، وأن سوء الخلق مثل الرماد والسواد، تمحق العمل، وتنفر الناس، وأصحاب الأخلاق السيئة لا عمل لهم ولا هم سوى السعي بين الناس بالنميمة والأذى والفساد، إن المرء لا يوصف بحسن التدين إذا كان قلبه قاسيا، وعقله غاويا، ولا يوصف بحسن الصلاح من أفسد قلبه الهوى، التدين الصالح أساسه صحة القلب والعقل والجوارح، والعبادات تبلغ ذروتها إذا أنتجت الخلق العالي، والسلوك المستقيم، إن المفلس في ديننا الإسلامي الحنيف من يأتي بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح في النار، كما أخبرنا بذلك نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، أن الارتباط يجب أن يكون وثيقاً بين العيادة والتعامل والسلوك، إن على المفلسين أن يزيلوا الغبش من أعينهم، وأن ينفضوا من على أجسادهم الأدثرة الثقيلة، ويحركوا أرواحهم البائسة، وأن يعيشوا الصفاء الإيماني، مع وجوب تحولهم جذرياً نحو الأخلاق القيمة، والتعامل الأصيل، والابتعاد الكلي عن منغصات الحياة، والسلوك التعيس، والاتجاه نحو العفاف والفضيلة، والطهر والنظافة والبياض.