محمد لويفي الجهني
مررت في رمضان بالصدفة إلى حيث نشأت الطفولة في الحارة القديمة في أملج، حيث البحر ولجته وأصوات الصيادين ومراكب صيدهم تغدو صباحًا مساء باحثة عن ما كتب الله من رزق في لجة البحر، آه تذكرت والذكرى تحرك كل المشاعر بكل تفاصيلها وكيف لا تزداد نبضات القلب وفي هذه الحارة العتيقة نشأ ولد عتيقة فكانت النشأة والتكوين والتلوين والتي رسمت ملامحنا الثقافية والقولية والفعلية والسلوكية فامتزجت وتشكلت فكان لها تأثيرها في سنوات العمر.. فهنا وفي أقدم الحارات كانت البيوت مفتوحة وكأننا في بيت واحد ينتقل الصغار كحمامة السلام من بيت إلى آخر بدون (إحم ولا دستور) فيستقبل بابتسامة وترحيب وتقول له ست البيت وهي تصنع الكعك والزلابية والماسية والتطلي أنت صائم وإلا فاطر وإلا صائم عن الذي ما تشوفه تقولها بضحكة وحضن وبوسة وكأنك أحد أبنائها وبعد ذلك تأخذ مما صنعت وتأمرك بتوزيعها للجيران.
والجيران كذلك يردون عليهم بالمثل فتتوزع أكلات الحارة على موائد الجيران ببركاتها ومذاقاتها المتنوّعة (فلقمة هنية تكفي مئة) هكذا قالوا زمان وفعلاً أكل زمان ما زال له طعم خاص نتذكر حلاوته كلما أستعدنا ذكريات زمان والتي موجودة في ذكريات سنين العمر فما يكاد يخلو إنسان من الذكريات الرمضانية. ومع استدعاء الذكريات الرمضانية وأنا أمر في طرقات حارتي القديمة أيام الطفولة أتذكر كيف فرحة الناس باستقبال رمضان فتذكرت المسجد العتيق أقدم المساجد في أملج ومن المساجد التاريخية التي بنيت من الطين وكان له منبرين صيفي وشتوي ودرج يصعد عليه المؤذن ليسمع الأذان في كل إرجاء الحارة، هكذا كانت ذكريات المسجد قبل أن يهدم ويبنى بهندسة البناء الحديث.
ومن الذكريات الرمضانية التي لا تنسى في أملج المدفع الرمضاني الذي يطلق طلقات إيذانًا بالإمساك والسحور أو الإفطار.
وكذلك وأنا أمر في أقدم حارات أملج تذكرت سوق الرقعة والسمك وسوق الليل وفرقنا، وتذكرت البليلة والشربيت والكعك والمبسوس والسمسم والمطبق والشعرية والكنافة والصيادية والحوت الناشف والبصر وأم أصبع وتذكرت كذلك الألعاب الطيري والمرديحة والعاق العاق والقب والضاع واللب ولعبة الحبلة والزقطة والمربعات والحبل والسيجة والجنط وطار وإلا بعشه وكذلك الألغاز وحكايات الراوي قبل أن يأتي المسحراتي بصوته الجهوري الجميل ليتوقف الجميع إيذاناً ببداية يوم جديد، تذكرت وتذكرت وما أجملها من ذكريات لا تحصى ولكن ما استدعى منها العقل إلا ما حفظ من أيام جميلة في حارة الطيبة وبيوت الطين والتي لم يبق منها إلا أطلال بقيت شاهدة على عصر زمان وتراث سياحي يحكي ذكريات الطيبين ومنازلهم، حيث كانت عامرة بالحب والقلوب الطيّبة بنية الفطرة السليمة الصافية بجمال الحوراء الجميلة.