عبدالله عبدالرحمن الغيهب
منذ أربعة عقود لم تكن حياة الناس بالشكل الحاضر، وأيضًا ما قبل ذلك بعقدين أو ثلاثة كان الصيام شاقًا، إذ لا يوجد وسائل تبريد تخفف حرارة الأجواء، وكان الناس منذ الصباح المبكر يباشرون أعمالهم فلاحين ورعاة وبائعين حتى ربات البيوت ينخرطن في العمل مبكرًا، فالكل يخرج من البيت ولا يعودون إلا قبيل صلاة الظهر بعد أن يتموا أعمالهم ليتفرغوا بعد ذلك للصلاة وقراءة القرآن، حيث يمكثون في المساجد فترات طويلة وخاصة بعد الصلوات فيتموا ختم القرآن خلال شهر رمضان مرات عديدة، وعند أذان المغرب تجدهم جماعات يرتشفون القهوة مع حبات التمر ومشروب بسيط يتناسب مع ما هو متاح في ذلك الزمن كاللبن أو إذابة أقط (بقل - مضير) في الماء وشربه، وبعد الصلاة تناول وجبة العشاء خلاف ما هو مشاهد في هذا الزمن من حشد للأطعمة عند الإفطار عدا وجبة العشاء.
فمع وفرة الأطعمة تحولت النظرة لشهر الصوم وكأنه موسم للتفنن في تقديم الأطعمة تحشد فيه أنواع متعددة، وليتها تستهلك بل يظل أكثرها دون أن تمس، ولعل مشاهدة الناس قبيل دخول الشهر وهم يبتاعون من الأسواق وما يحملونه من كميات خير دليل على الاندفاع الشديد وراء تكديس أصناف المأكولات وإن بقي شيء منها دون استخدام فمآله الإتلاف لانتهاء الصلاحية.
في الزمن الماضي الناس ينامون مبكرًا، واليوم سهر إلى الصباح ونوم في النهار ومتاجر فاتحة إلى الهزيع الأخير من الليل ثم تُقفل أبوابها إلى آخر النهار. لا أستطيع الجزم أو الحكم أي الطريقتين أفضل وللناس فيما يعشقون مذاهب كما يقول الشاعر أبي فراس الحمداني في قصيدته (ومن مذهبي حب الديار لأهلها وللناس فيما يعشقون مذاهب)، لكن المؤكد أن الحياة قديمًا تتماشى مع الفطرة حيث النوم في الليل والسعي في النهار بدليل قول الخالق سبحانه {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} سورة النبأ.
والأطباء يؤكدون ضرر السهر وما يلحقه بالأجسام من تعب وخلافه فما بالك إذا كان هذا ديدن الأسر صغارًا وكبارًا، كان الله في عون الجميع وتقبل منا ومنكم الصيام والقيام.