د. محمد عبدالله الخازم
تصوروا بعد أن نعترف بوجود مشاكل مرورية أن يأتي أحدهم فيقترح تغيير نظام السير ليكون قائد السيارة في الجهة اليمنى بدلاً من الجهة اليسرى، أسوة ببريطانيا. لا ننكر الحقيقة بأن حوادث السير في بريطانيا أقل منها في السعودية، ولكن هل فكر في كلفة التغيير وفي أن الإصلاح لا يكون بمجرد تغييرات شكلية في اتجاهات السير ومكان المقود.
هكذا تفكر وزارة التعليم بتبنيها فكرة تغيير نظام الدراسة في الجامعات ليكون نظام ثلاثة فصول، تغيير شكلي سيكون مرهقاً ومربكاً جداً للجامعات.
هذا الأمر يشكل قلق واضح بالنسبة لي وأستغرب صمت الجامعات وإداراتها التي تدعي الاستقلالية نحوه. وحتى لا أصادر حق خبراء التعليم العام فيما يرونه مناسباً، وبحكم أنني لست خبيراً بالتعليم العام لا أعترض على نظام الثلاثة فصول في الابتدائية أو الثانوية، وأرجوه ألا يكون من مبدأ «رأسه يعوره، ربطوا كراعه»، لم يستطيعوا تشخيص خلل التعليم فذهبوا إلى تغييرات شكلية في هياكله. سأهتم هنا كأستاذ وخبير في التعليم الجامعي مدرك لتفاصيل التغيير المطلوبة، بموضوع فرض نظام الثلاثة فصول على الجامعات.
التطوير مطلوب إذا كان وفق فلسفة وأهداف واضحة، مراعياً الجوانب المادية والأكاديمية والثقافية والاجتماعية للتغير. في هذا التغيير المتوقع فرضه على الجامعات ليس هناك عائد يستحق عناء التغيير من نظام فصلين إلى ثلاثة فصول، ببساطة لأن الجامعات لديها مرونة في تقديم فصل ثالث ورابع في الصيف. التغيير هنا ليس مجرد قرار إداري وإنما تغيير في مكونات جميع مناهج ومقررات التخصصات الجامعية، بما سيحدثه ذلك من إرباك عظيم وتكلفة كبرى وجهد مرهق غير مبرر في إعادة تصميم مناهج ومقررات جديدة سواء فصلية أو تطبيقية وعملية وتغيير متطلبات التخرج من عدد الساعات، وغيرها من التغييرات. ما يتم تدريسه في 14 أسبوعاً لا يمكن تدريسه في 10 أسابيع (مثلاً) وبالتالي لا بد من إعادة توزيع كل مادة دراسية في الجامعة بمكونات وأهداف وهيكل مختلف، وهذا أمر مربك جداً.
ليس ذلك فقط، بل إن التغيير المقترح سيعيد الجامعات وهيئة الاعتماد الأكاديمي إلى نقطة الصفر في إعادة التقييم والفحص والاعتماد، لأن أهم مكونات الاعتماد تتمثل في الهياكل الدراسية والمناهج وصياغتها وبناءها بشكل يتوافق مع المعايير المطلوبة. هذا الأمر يقودني لسؤال هيئة تقويم التعليم؛ هل أنتم موافقون على ذلك التغيير واعتبار جميع الاعتمادات الأكاديمية الحالية غير فاعلة؟ بمعنى آخر، التغيير يعني فقدان صلاحية الاعتمادات الأكاديمية، فمن سيدفع ثمن إعادتها؟
للأسف، يتم الضغط على الجامعات بتوجيهات عديدة في كل شأن؛ توفير موارد مالية، تبني برامج دبلومات، تعديل هياكلها الإدارية، الوعي الفكري وغير ذلك، وها نحن نضيف عليها عبئاً وضغطاً جديداً. الأمر أصبح مرهقاً ويتجاوز مجرد التنسيق والإشراف العام المفترض من قبل الوزارة إلى الدخول في التفاصيل التنفيذية في عمل الجامعات.
الخلاصة، لا داعي لفرض نظام الثلاثة فصول على الجامعات، فبرإمكانها تقديم فصول صيفية إضافية بدون إرباك لأنظمتها الحالية.