محمد سليمان العنقري
تشهد هذه الأيام مرور خمسة أعوام على اعتماد الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية «رؤية 2030 «، التي تحول مع انطلاقتها المجتمع لورشة عمل ضخمة. تحققت في هذه السنوات التي تمثل الثلث الأول من عمر الرؤية إنجازات عديدة، تمثلت في تهيئة البنية التحتية التمكينية للجهات الفاعلة كافة بتحقيق مستهدفاتها، وتخللها إصدار 197 تشريعًا ما بين نظام ولوائح وغيرها مما نقل الجهاز الحكومي لمرحلة أكثر جاهزية لقيادة تنفيذ البرامج المعتمدة بالرؤية، إضافة لهيكلة حكومية شملت الوزارات وتأسيس هيئات وأجهزة عديدة بهدف إيجاد المرونة المطلوبة للانطلاق نحو الأهداف المرصودة. وكانت الأعمال كافة ترصد بمؤشرات قياس الأداء لرفع كفاءة عمل الأجهزة ومساندتها لتجاوز أي تحديات من قِبل الأجهزة الداعمة لهذا الغرض، وبإشراف ومتابعة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -.
وفي الاجتماع الذي عقده المجلس لغرض مراجعة ما تحقق بالرؤية خلال السنوات الماضية من خلال استعراض محاورها الثلاثة «مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح» فقد أنجز الكثير على مستويات البرامج التي بدأ تنفيذها، سواء بزيادة الإيرادات للخزانة العامة بنسبة 222 في المئة لتصل إلى 369 مليار ريال العام الماضي مرتفعة من 166 مليار العام 2015، إضافة إلى رفع حجم أصول صندوق الاستثمارات العامة لتقارب 1.5 تريليون ريال مرتفعة من 570 مليار ريال خلال خمسة أعوام، إضافة لتنشيط قطاعات اقتصادية عديدة وولادة قطاعات كانت غير مستغلة بهوية وهيكلة جديدة، إضافة لزيادة معدلات التوظيف حيث تم توظيف نحو 440 ألف مواطن ومواطنة منذ عام 2019م، كما تم البدء بإنشاء العديد من المشاريع الضخمة كمدينة نيوم والبحر الأحمر والقدية ومدينة الملك سلمان للطاقة، وتوسعت الاستخدامات التقنية الرقمية بنسبة كبيرة لتسهيل الأعمال للمواطنين والمقيمين لتصل نسبتها إلى 81.3 في المئة مرتفعة خلال هذه المدة التي بدأت مع انطلاق الرؤية من 60 في المئة. وهناك الكثير من الإنجازات، سواء بقطاع الإسكان والتعليم بمستوياتهما كافة والصحة والمرافق العامة وجذب الاستثمارات وطرح شركة أرامكو للاكتتاب العام كأكبر طرح عالمي ناجح تماشيًا مع الهيكلة الشاملة لقطاع الطاقة بالمملكة بخلاف تعزيز العلاقات مع دول العالم وفق نهج أعاد تعريف المصالح وذلك لتعزيزها بقصد تقوية الشراكات الدولية، وخصوصًا مع الاقتصادات الكبرى. كما قادت الجهود الدولية عند رئاستها قمة العشرين العام الماضي في ظل أخطر أزمة اقتصادية واجهها العالم حيث كان للمملكة دور بارز في جمع كلمة قيادات أكبر اقتصادات العالم للتصدي لهذه الأزمة.
لكن اجتماع مجلس الشؤون الاقتصادية لم يقف عند ما تحقق بل وضع استشرافه للبدء بالثلث الثاني من عمر الرؤية الذي سينتهي عام 2025 حيث سيتم الانتقال لمرحلة الإنجاز بعد التمهيد والتأسيس التنظيمي والتشريعي وغيرها من الإجراءات الأساسية حيث صدرت التوصيات بإعادة هيكلة بعض البرامج الحالية إضافة إلى إنشاء برامج أخرى مواكبة للمرحلة التالية كتأسيس برنامج «تحول القطاع الصحي» بهدف هيكلة القطاع ليكون نظامًا شاملاً، وهذا يدلل على مرونة الرؤية وتعاطيها مع التطورات التي تحدث بالاقتصاد وخصوصًا أن جائحة كورونا لا بد أنها كشفت عن احتياجات عديدة لمواكبة ما أفرزته من تداعيات ونظرة مختلفة لأنشطة اقتصادية عديدة وطرق تشغيلها وتطويرها إضافة إلى التحديثات التطويرية بقصد إضفاء مرونة على جداول تنفيذ بعض البرامج، وتحديد أولويات تنفيذ المبادرات، في إشارة واضحة لقدرة الجهاز الحكومي على التعاطي مع المتغيرات كافة وتغليب المصلحة العليا من خلال اتخاذ أفضل القرارات لتنفيذ البرامج دون تأخير وانعكاس أثرها المباشر والسريع على المجتمع. كما سيتم نقل مبادرات برامج «تعزيز الشخصية الوطنية وريادة الشركات الوطنية والشراكات الاستراتيجية» إلى البرامج والجهات المرتبطة بها، حيث تحققت غالبية أهدافها، وانتفت الحاجة لاستقلاليتها في المرحلة التالية.
الرؤية تنتقل لمرحلة جديدة بعد تحقيقها النجاحات المطلوبة بمرحلتها الأولى حيث نشطت قطاعات رفعت من كفاءة الإنفاق بالاقتصاد وتحسين جودة الحياة والتركيز على توسيع الاقتصاد لزيادة فرص العمل والاستثمار في قطاعات حديثة بالاقتصاد كالسياحة والترفيه والتعدين وغيرها. فالفترة القادمة ستركز - بحسب ما جاء فيما صدر عن المجلس - على زيادة المحتوى المحلي أي سيتوسع دور القطاع الخاص بالناتج الإجمالي إضافة لزيادة التوظيف حيث ستكون الفترة القادمة - كما يتضح - مركزة على رفع دور رأس المال البشري وزيادة حجم قطاع الأعمال لرفع دورهم في نمو الاقتصاد وتنافسيته محليًا وعالميًا. فالسنوات القادمة ستتطلب جهود أطياف المجتمع كافة للوصول إلى أهداف طموحة تملك المملكة كل الإمكانيات لتحقيقها - ولله الحمد -.