حينما لم يتم اتخاذ إجراءات عملية لوقف الممارسات الدنيئة تجاه المملكة العربية السعودية، والاستمرار باستخدام المنتجات اللبنانية لتهريب المخدرات إلى أراضي المملكة بأساليب وطرق متنوِّعة جاء القرار الحكيم الصارم من دولة الحزم والعزم بوقف استيراد الخضراوات والفواكه من الجمهورية اللبنانية وذلك بعد تكرار استخدام تلك الشحنات في إرسال المواد والأقراص المخدرة إلى داخل المملكة.
وبحسب ما نقلته «وكالة الأنباء السعودية» فإن الجهات المعنية لاحظت تزايد استهدافها من قبل مهربي المخدرات التي مصدرها الجمهورية اللبنانية أو التي تمر عبر الأراضي اللبنانية، وتستخدم المنتجات اللبنانية لتهريب المخدرات إلى أراضي المملكة، سواءً من خلال الإرساليات الواردة إلى أسواق المملكة أو بقصد العبور إلى الدول المجاورة للمملكة، وأبرز تلك الإرساليات التي يتم استخدامها للتهريب الخضراوات والفواكه، وهؤلاء لا يتورّعون في استخدام أي وسيلة للتهريب ولذا فأتمنى أن توقف جميع الشحنات والشاحنات اللبنانية أو القادمة من لبنان سواء لداخل المملكة أو العابرة لأراضيها ومتجهة لدول الجوار.
والمخدرات ليست داءً أو مشكلة فحسب، بل هي حرب مدمرة للأمم والشعوب، والمجتمع السعودي مستهدف في قدراته وفي شبابه، ولا أدل على ذلك من كميات المخدرات التي يتم إحباط تهريبها من الجهات المختصة في الجمارك أو مكافحة المخدرات، واستهدافنا من قبل عصابات منظمة لهذا الغرض.
وإذا كنا نفخر ونعتز ونسعد بما يقوم به رجال الأمن والجمارك في التصدي لوقف هذه السموم الخطيرة بحملات استباقية قوية، فإن بواعث الأسى والحزن تكمن في الأرقام التي نسمعها عمَّا تم مصادرته من عمليات، وما يعرّضه المسؤولون في مكافحة المخدرات عن الكميات المضبوطة بأنواعها وأشكالها المختلفة التي استهدفت شباب بلادنا بقصد إفساد دينهم ودنياهم وعقولهم، وهي مثال عريض يبيِّن حجم هذه الحرب الضروس على بلادنا.
إننا نسعد ونفخر بجهود رجال الأمن البواسل كل في موقعه سواء في مكافحة المخدرات أو سلاح الحدود أو أمن الطرق أو غيرهم، بل إن هناك من قدَّم روحه في سبيل الله لمحاربة هذا الوباء، كل هذه الجهود تُذكر فتُشكر، بل إن من بواعث الفخر والاعتزاز الجهد الذي نسمع عنه ونراه في خطوات استباقية في متابعة المهربين والمروِّجين في بلدانهم واكتشاف مصانع في الخارج مخصصة لتوريد المخدرات للمملكة فقط.
إن الجهد الذي تبذله الأجهزة الأمنية وجهود المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية المساندة في التوعية والوقاية وما يقومون به من جهد للتحذير من أضرار المخدرات، يؤكد أن المخدرات ليست داءً يسهل برؤه وتزول آثاره في المجتمعات بالعلاج فهو داء عضال مزمن، بل هي حرب دائمة تتطلب منا اليقظة والحذر والاستعداد التام وإعداد القوة والعتاد لمواجهة القائمين على هذه الحرب ليس في بلادنا، بل في عقر دارهم وهو ما تم إنجازه في أعمال كثيرة -ولله الحمد - ولا بد من تكاتف جهود الجميع من المؤسسات الرسمية والأهلية والأفراد والجماعات لوقاية أبنائنا من هذا الخطر الذي يهدِّد مستقبل الأمة والمجتمعات ويستنزف جانباً من مواردها المالية وإمكاناتها البشرية، وقد طالبت في مقالات عدة وفي كتاب سابق أعددته بعنوان: «وباء المخدرات وخطره على الصحة والمجتمع»، طالبت من ضمن ما طالبت به من مقترحات رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الوطنية للإسهام ضمن مسؤولياتهم الاجتماعية بالمساهمة في التوعية بأضرار المخدرات والمكافحة من خلال دعم برامج التوعية عبر وسائل الإعلام والاتصال بالتنسيق مع الجهات المعينة، وألا نكتفي بأيام وأسابيع فقط، بل تكون الحملة مستمرة لمواجهة هذا الوباء الخطير.
كما أن هذا لا يعفي أولياء الأمور من المسؤولية الأولى لهم لتوعية أبنائهم وتحذيرهم من رفقاء السوء الذين يجرونهم لمستنقع المخدرات، فإذا حصّنا أبناءنا من هذا الداء فلن يجد البائع والمروِّج من يبيع عليه ويسوّق له هذا الوباء ويجب أن نعمل على مسارين مسار الوقاية أولاً والمكافحة والعلاج وقد يكون ثمن العلاج باهظاً وهذا ما رأيناه ليس في الخسائر المادية، بل في حوادث الطلاق والقتل والخطف والاعتداء على الأرواح والأعراض وهو ما سمعنا عنه كثيراً من أناس تعدى أذاهم بسبب المخدر على غيرهم إن لم يقتلوا أنفسهم نتيجة تعاطي المخدرات.
إن حديثي ليس عن ضرر المخدرات فهو معلوم للجميع، ولا يمنع من التذكير به، وإنما حديثي في الإنسان على نقطتين رئيسيتين: أولاهما: حمد الله - عزَّ وجلَّ - على أن حفظ الله هذه البلاد والعباد من هذا السوء والإشادة بجهود الرجال المخلصين والتأكيد على أن يتكاتف الجميع أفراداً وجماعات في مكافحة ومحاربة هذا الوباء وهذا الخطر الداهم.
ثانيتهما: إن معظم المدمنين لا يكتفي بإدمانه فقط، بل تراه يسعى إلى جر بعض أفراد عائلته إلى هذا الوباء فتراه يدعو أقرباءه وندماءه وأقرانه، بل وزوجته إلى مشاركته في هذا الداء، وبعض المدمنين ينجح في جذب بعض أفراد أسرته لهذه المشكلة، ويعظم الخطر حينما يتبع الأولاد سير أبيهم، ويقتفون خطاه في هذا الأمر الخطير في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون خط دفاعهم الأول بعد الله - عزَّ وجلَّ -.
إن مدمن المخدرات يفقد الشعور بالمسؤولية، لأنه مشلول في تفكيره ومصاب بفساد الطبع ويتخلَّق بالصفات الذميمة للشذوذ في الغريزة، وضرر هذا ممتد إلى كثير من الأفراد، وذلك يؤدي إلى الفوضى وانعدام الأمن ويجر إلى الخصومات والفساد الاجتماعي.
ومعلوم أن مدمن المخدرات لا يتورّع عن سلوك أي طريق لتأمين احتياجاته من المخدر، وهذا ما نقرأ ونسمع عنه في الحوادث في مجتمعنا وفي المجتمعات الأخرى فيلجأ للسرقة حتى من أقرب الناس إليه من والد ووالدة وزوجة وإخوان وجيران، كما أنه في حالات فقد الوعي قد يقدم على ارتكاب جرائم بشعة مثل هتك الأعراض والاغتصاب وإزهاق الأرواح وأعظم من ذلك بأنه قد يسترخص أعراض محارمه بالاعتداء عليها أو تقديمها ثمناً لجرعة أو قطعة مخدر!
إن الحقيقة التي لا مجال للتشكيك فيها أن الخطر في تزايد مستمر على الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققها الأجهزة المعنية في قطع كل سبل وصول هذه السموم إلى البلاد وتشديد الرقابة على المنافذ وملاحقة المهرّبين والمروّجين مما يتطلب تكثيف الوعي من كافة الأجهزة المعينة ومسؤولية الأهل في التحذير والتوعية والرقابة من خلال المناقشات البناءة والهادفة مع الأبناء والاقتراب منهم والاستماع لمشكلاتهم والرد على أسئلتهم وتوضيح الالتباس والغموض وتصحيح الأفكار الخاطئة لدى الشباب، فسلامة العقل وصحة البدن نعمتان حبانا الله بهما ويجب المحافظة عليهما والمحافظة على الفرد لا تقل عن المحافظة على المجتمع والأمة.
وأمام تزايد هذه الحملات المسعورة من قبل عصابات منظمة تريد نشر هذه السموم في أرجاء الوطن يتحتم علينا كأفراد ومؤسسات أن نكون يقظين، ومساندين لرجالات الأمن وألا يتم التعاون والتراخي بالإبلاغ عن هؤلاء - قدر الاستطاعة.
كما أنه أصبح من الأهمية بمكان ضرورة وضع إستراتيجيات توعوية ووقائية جديدة لمجابهة المخدرات ومن ورائهم تشترك فيها كل القطاعات الحكومية بلا استثناء وبمشاركة القطاعات الخيرية والأهلية والأفراد ذكوراً وإناثاً.
حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه ورد كيد كل عدو في نحره، وجعل تدميره في تدبيره، ورد عليه دائرة السوء وأدام الله علينا نعمة الأمن والإيمان، وحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين.
** **
alomari1420@yahoo.com