خالد بن حمد المالك
عندما وجَّه الملك عبدالعزيز آل إبراهيم ليكون أميرًا لعسير، تلقى التوجيه من جلالته بصمت، فقال له الملك المؤسس (لا يبعد الأوطان يا ولدي غير أسمائها) كما روى ذلك حفيده خالد آل إبراهيم ضمن مداخلاته في البرنامج. وعندما باشر عمله أميرًا لعسير عام 1341هـ كانت المنطقة -آنذاك- مشحونة بالتوتر، وتعاني من المجاعة، وكانت الأحوال السياسية والعسكرية غير مستقرة، وكان اهتمام آل إبراهيم الأول أن يبدأ عمله بعقد اجتماعات مع مشايخ عسير للتشاور، وتبادل الرأي معهم، لتطييب خواطر الناس، وصولاً إلى حل ما تعانيه المنطقة من مشاكل، فاهتم بإرساء دعائم الأمن، ونشر الطمأنينة بين المواطنين، وهذا النهج اتبعه لاحقاً مع جميع المناطق التي أسندت إماراتها إليه، وقد تميزت إدارته بأسلوبه المميز في معالجة ما يشكو الناس منه، مما زاد من ثقة الملك عبدالعزيز به، ليوكل إليه الكثير من المهام الجسام.
* *
وعندما أنهى مهمته أميرًا لعسير، وعاد إلى الرياض بعد سنة قضاها هناك، اختاره جلالة الملك عبدالعزيز ضمن كوكبة من المستشارين والوكلاء؛ ليكون ضمن مرافقي المؤسس في أول رحلة له من الرياض إلى الحجاز عام 1343هـ، وعددهم ثلاثمائة مستشار من آل سعود وآل الشيخ وأهل الرياض وغيرهم. وفيما ذهب جلالة الملك إلى مكة المكرمة مع مستشاريه متوجهاً من الطائف بعد فترة توقف فيها، فقد أبقى عبدالعزيز آل إبراهيم في الطائف ليكون أميرًا هناك، وكان ذلك عام 1343هـ. وكما فعل آل إبراهيم في عسير فقد حقق ما وجهه به الملك في الطائف، بأن حسّن الأوضاع، وأرضى الناس، وتصالح مع المواطنين بتحقيق الكثير مما كانوا يتطلعون إليه ويطالبون به تنفيذًا لتوجيهات الملك عبدالعزيز.
* *
وفي عام 1346هـ تولى عبدالعزيز آل إبراهيم إمارة المدينة بأمر من الملك عبدالعزيز منقولاً من إمارة الطائف. وقد حدد المؤسس مهمات أمير المدينة عبدالعزيز آل إبراهيم في رسالة بليغة موجهة إليه، أوصاه فيها بأن يراعي الناس، ويتعامل معهم باللين والطمأنينة، وفي رسالة أخرى من الملك عبدالعزيز إلى أهالي المدينة، ننقلها من كتاب عبدالعزيز الزيد، يبلغهم فيها بتعيين عبدالعزيز آل إبراهيم أميرًا عليهم، ويدافع فيها عن أميرهم قائلاً: فلعلكم تسمعون بشدة عبدالعزيز بن إبراهيم، وتهابونه. وهذا شيء لا حقيقة له. إن ابن إبراهيم شديد على العابي، حبيب لمن سلك الطريق، وعرف حق نفسه، ويعتمد على الله، ثم على الأحكام الشرعية، بكل أمر يرد إليه.
* *
جمع عبدالعزيز آل إبراهيم خلال إمارته بالمدينة بين اللين والشدة، بمثل ما قاله الملك عبدالعزيز في رسالته فعاقب المجرمين وقطّاع الطرق، وعامل مَن هم غير ذلك باللين واللطف والحسنى، وقد ساعده على ذلك تجربته في إمارتَي عسير والطائف. وخلال فترة إمارته زار الملك عبدالعزيز المدينة وهو في طريقه إلى مكة المكرمة، وكان ابن إبراهيم على رأس مستقبليه، وفي هذه الزيارة قال الملك عبدالعزيز في رسالة لأمير المدينة ومواطنيها: نحن خدّام الحرمين الشريفين وخدام رعايانا.
* *
كان أول عمل لآل إبراهيم بالمدينة -كما جاء في برنامج رجال الملك عبدالعزيز- تأمين طرق الحجاج، وتحديث أوضاع الإمارة، وإرساء سياسة الأمن، ودعم الاستقرار، وخدمة الزوار، وتسهيل أمورهم. وكان أول مشروع يتم تنفيذه خلال إمارته للمدينة في عهد الملك عبدالعزيز تنفيذ الطريق الذي يمتد من قباء إلى المسجد النبوي الشريف عام 1351هـ؛ لتتوالى بعد ذلك المشاريع التنموية في المدينة المنورة التي تخدم المواطنين والمقيمين والزوار.
* *
ومن بين ما تم خلال إمارة آل إبراهيم للمدينة المنورة ما بادر به أعيان وعلماء المدينة المنورة باقتراح إلى مقام جلالة الملك عبدالعزيز عن طريق أميرهم عبدالعزيز آل إبراهيم -ضمن اقتراحات من مدن المملكة الأخرى في هذا السياق- بتغيير اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية. وقد استجاب الملك المؤسس لهذا الاقتراح، وتم اعتماده، كما أشار إلى ذلك خالد بن إبراهيم آل إبراهيم في مشاركته في البرنامج.
* *
وفي نهاية رحلته العملية إلى جانب جلالة الملك طلب عبدالعزيز آل إبراهيم من الملك عبدالعزيز إعفاءه من منصبه أميرًا للمدينة، فاستجاب الملك لطلبه قائلاً: ولولا أنكم ألححتم علينا لما قبلنا استقالتكم من إمارة المدينة. ليتم نقله تكريماً له إلى مجلس الوكلاء في مكة المكرمة، الذي كان بمنزلة مجلس الوزراء بالمسمى الحالي، وكان ذلك في عام 1355هـ، مختتماً بذلك حياته العملية، ومن ثم سافر إلى مصر للعلاج، وتوفاه الله هناك، وتم دفنه في الأرض المصرية عام 1365هـ، رحمه الله. وقال الملك عبد العزيز إثر تلقيه الخبر، أنا من أعزى فيه.
* *
لم تنته خدمة شجرة آل إبراهيم لبلادها، بوفاة عبدالعزيز آل إبراهيم أحد رجال الملك عبدالعزيز، فقد سار على نهجه وخطاه من بعده ابنه إبراهيم عبدالعزيز آل إبراهيم - رحمه الله - الذي خدم الدولة قرابة أربعين عاماً، تولى خلالها إمارة القنفذة ووكيل إمارتي مكة وعسير ثم إمارة الباحة، واضطلع بمسؤوليات أخرى كثيرة، ومن باب التذكير ليس إلا نذكر ذلك، مع أن البرنامج كان عن رجال الملك عبدالعزيز، ولهذا كان التركيز على عبدالعزيز آل إبراهيم، فرحم الله جلالة الملك عبدالعزيز ورجاله، ومن تبعهم في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم، على أن رجال عبدالعزيز عموماً كانوا كمثل عبدالعزيز آل إبراهيم في الإخلاص والشجاعة والولاء، وقد تركوا جميعاً سمعة طيبة، وذكرى عطرة، وتاريخاً مشرفاً.
تنويه:
ورد في الحلقة الأولى - بخطأ مطبعي - أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ولد عام 1297هـ، بينما اختلف المؤرِّخون حول تاريخ ولادته، إلا أن الكثير منهم ذهبوا إلى مصادر المؤرِّخ هاشم سعيد النعمي، الذي أوضح أنه ولد في مدينة الرياض عام 1293هـ الموافق 1876م، وقد وثَّقته دارة الملك عبدالعزيز.