عمر إبراهيم الرشيد
يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال (ليت بيننا وبين فارس جبل من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم) وكأنه يتنبأ بما سيأتي من الفرس لاحقاً وخاصة في هذه الفترة. ومن المعروف أن شخصية الفاروق قد استحوذت على اهتمام المؤرخين المسلمين والمستشرقين على السواء، بما عرف عنه من مزايا عبقرية فكرية ونفسية نادرة.
ومن أبرز الكتاب العرب الذين تناولوا هذه المزايا الكاتب المصري الراحل عباس العقاد، ضمن سلسلة (العبقريات). أورد العقاد في كتابه (عبقرية عمر) أن العالم الإيطالي (لاومبروزو) ذكر جملة من صفات العباقرة، منها الطول المفرط أو القصر المفرط، وغزارة الشعر أو الصلع، وفرط الغضب عند التعرض لما يثيره أو الهدوء الشديد، ورهافة الحس والولع بعالم الغيب والأسرار، واستخدام كلتا اليدين أو استخدام اليد اليسرى، وفي الحماسة الدينية والخشوع لله تعالى. وأنوه إلى أن هذه صفات لا يشترط أن تجتمع كلها في شخصية العبقري، وانما يشترك العباقرة فيها أو في بعض منها كما أورد العقاد نقلا عن لاومبروزو.
وقد أورد العقاد رحمه الله تعالى مواقف نقلاً عن بعض المصادر التاريخية عن الفاروق، تدل على الفراسة وحبه للاستقراء وقراءة الشخصية وتتبع عالم الأسرار، إضافة إلى التفاؤل بالأسماء، منها أن رسولاً جاءه من ميدان نهاوند فسأله عن اسمه، فقال الرسول (اسمي قريب بن ظفر) فتفاءل الفاروق وقال (ظفر قريب إن شاء الله ولا قوة إلا بالله).
وفي موقف آخر قد يصدق أو يكون من المبالغات والله أعلم، إذ روى يحيى بن سعيد أن عمر سأل رجلاً عن اسمه فأجاب الرجل: اسمي جمرة، فسأله عمر ابن من؟ فقال ابن شهاب من حرقة من بني ضرام، وقد ربط الفاروق رضي الله عنه بين هذه الأسماء كمرادفات للنار، فقال للرجل: أدرك أهلك فقد احترقوا.
أما قصة قائد إحدى المعارك وهو سارية بن حصن، والذي واجه هزيمة وشيكة هو والجيش الإسلامي، وبينما عمر يخطب في المدينة خطبة الجمعة التفت جانباً وهتف) ياسارية بن حصن، الجبل الجبل! ومن استرعى الذئب فقد ظلم)، ولم يفهم السامعون مقصده، ولما قضى الصلاة أتاه علي كرم الله وجهه وسأله عما قال، فقال عمر: أسمعت ما قلته قال علي نعم وكل من في المسجد، فقال عمر: وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وأنهم يمرون بجبل فإن صعدوه احتموا به وقاتلوهم وظفروا، فخرج مني هذا الكلام! وهذه من الكرامات التي يهبها الله تعالى لبعض خلقه. إنما يتناول علماء النفس ما يحدث لكثير من البشر فيما يعرف بـ(التخاطر) أو (telepathy) كما يسمى في علم النفس، وحين جاء رسول مبشراً بالنصر في تلك المعركة قال بأن المسلمين سمعوا صوتاً يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن حصن، الجبل. الجبل، فعدلنا إلى الجبل فانتصرنا بفضل الله. ومما يروى في موافقات بعض الأحكام والآيات لكلام عمر ما روي حين تلا النبي صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} فأتم النبي قراءة الآية {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. وموقفه مع قاتله فيروز حين سأله عمر رضي الله عنه عما قاله الناس أن باستطاعته صناعة رحى تعمل بالريح (مشابهة للطواحين الحالية) وحين أجابه فيروز (الملقب بأبي لؤلؤة) بأنه سيصنع له رحى يتحدث بها العرب والعجم، فهم عمر مقصده بأنه تهديد بالقتل!، إلى جانب الرؤيا التي رآها في المنام بأن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسرها بأن أعجمياً يقتله والنقرات هي الطعنات الثلاث التي تلقاها من ذلك العلج. وغير هذا مما يصعب حصره، إنما حسبي هنا إشارات سريعة، وإن أردتم الاستزادة فعليكم بـ(عبقرية عمر)، إلى اللقاء.