العقيد م. محمد بن فراج الشهري
تضاربت الأنباء والتقارير والتحليلات حول تكرار اختراق الأمن الإيراني من العمق، وإحداث أضرار متكررة في المنشآت النووية الإيرانية وكلها تؤكد هشاشة نظام الأمن الإيراني لهذه المنشآت وسهولة اختراقه والوصول إليه رغم الجعجعة الإيرانية التي لم تستطع أن تفعل شيئا أمام هذه الأحداث سوى التنديد والاتهامات.. والوصول الأخير إلى منشأة (نطنز) لتخصيب اليورانيوم أكبر دليل على فشل إيران على كافة المستويات واعتمادها على التصريحات الجوفاء، والابتزاز دون ردة فعل فاعلة لما حصل لمنشأتها والسؤال الذي يطرح هنا هو ما الذي تسبب في الحادث الأخير؟ هل هو هجوم الكتروني «سيبراني» أم عمل تخريبي مادي كاستخدام قنبلة أو مواد متفجرة مثلاً؟ وتتقدم فرضية الهجوم الإلكتروني (السيبراني) لأن منشأة (نطنز) كانت هي نقطة انطلاق للحرب الإلكترونية، فهي المكان الذي شهد وقوع هجوم سيبراني حقيقي في العالم قبل عقد من الزمن.
فمعظم الاحداث التي تسمى هجمات الكترونية سيبرانية لم تكن هجمات بالمعنى المادي بل هي سرقة للبيانات.. بيد ان «ستوكنت» وهو الاسم الذي أطلق على الحادث الذي استهدف برنامج إيران النووي منذ أكثر من عقد من الزمن.. لم يكن مجرد احد الاستثناءات القليلة فحسب بل يمكن القول أيضا إنه كان أول عرض للهجوم السيبراني حينها وفي تلك الحالة تسببت شفرات حاسوبية في إحداث ضرر حقيقي عبر التدخل في عمل أجهزة التحكم بالطرد المركزي لإخراجها عن نطاق السيطرة أو حتى إعادة إرسال رسائل خاطئة إلى أولئك الذين يراقبونها كي لا ينتابهم اي شعور بالقلق الا بعد فوات الاوان، وبدت النتيجة وكأنه انفجار يجري بسرعة تصوير بطيئة، حيث اصطدمت أجهزة الطرد المركزي ببعضها البعض، لقد كانت عملية موجهة بالغة التعقيد، أدارتها الولايات المتحدة، وإسرائيل بشكل مشترك وطورت على مدى سنوات، ونعود للحادثة الأخيرة في منشأة (نطنز) ففي غضون ساعات بعد إعلان ايران بكل فخر عند تدشين احدث اجهزة الطرد المركزي في منشأة (نطنز) لتخصيب اليورانيوم، أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى اتلاف بعض المعدات الثمينة فيها... ووصفت ايران الحادث بأنه عمل (إرهابي) ووجهت اصابع الاتهام إلى اسرائيل، لكن الغموض ما زال حول الأسباب الرئيسية الحقيقية لهذا الحادث، فقد أشارت بعض التقارير إلى ان هجوما الكترونيا (سيبرانيا) قد يكون السبب، لكن ايران تحدثت عن «متسللين» وسط تقارير عن انفجار في مولد الطاقة، ولكن يبدو ان ثمة شيئا واحد تتفق عليه كل التقارير وهو أن «حادثاً» اثر على شبكة توزيع الطاقة في منشأة (نطنز) مما ادى إلى انقطاع التيار الكهربائي حتى بدء عمل انظمة الطاقة البديلة التي تشغل في حالات الطوارئ. ويعد ضمان وصول مصدر الطاقة إلى جهاز الطرد المركزي بشكل متوازن تماماً، أمراً حيوياً، الامر الذي يعني ان أي تخريب في امداد الطاقة هذا قد يتسبب في نتائج كارثية.
وفي آخر التطورات التي وردت حول هذا الموضوع قال التلفزيون الايراني السبت الماضي ان السلطات الايرانية حددت هوية المشتبه به في هجوم منشأة (نطنز) النوويه واضاف ان المنفذ يدعى رضى كريمي ايراني يبلغ من العمر 34 عاما وانه تمكن من الهروب خارج ايران وانه كان يعمل ضمن الفرق الهندسية بالمنشأة, وهذا دليل آخر على اختراق المنشآت النووية الايرانية وفشل الأمن الايراني كما أسلفنا في حماية تلك المنشآت.
ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي تتعرض لها المنشأة الايرانية فقد سبق ايضا لهذه المنشاة ان تعرضت إلى عدد من الحوادث والهجمات، من بينها حريق اندلع العام الماضي في المنشأة، وادعت ايران حينها انه نجم عن عملية تخريب «سيبرانية» أيضاً وكذلك 2010م.
وتعد محطة «نطنز» لتخصيب الوقود أكبر منشاة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في ايران، وتقع في مقاطعة «نطنز» في محافظة اصفهان الايرانية. وتعمل المحطة في تخصيب اليورانيوم منذ فبراير عام 2007م.
وخلاصة القول إن ايران عاجزة تماماً عن حماية منشآتها النووية من الاختراق مثبتة فشلها الذريع في ذلك ووقوفها مكتوفة الايدي في اتخاذ أي اجراء رادع لإسرائيل أو غيرها سوى التهديدات الجوفاء مع العجز الكامل عن عمل فعلي مؤثر وقد نجحت إسرائيل مرات ومرات في الوصول إلى العمق الايراني واللعب فيه بكل سهولة.. وهذا دليل واضح على تواضع الأمن الايراني وسهولة اختراقه رغم ما يصدر من جعجعة لا نرى أثراً لأي طحين معها.. لأن النظام الايراني شتت قواه الأمنية في مناحٍ متعددة وتورط في مسارات متعددة لا يستطيع مع هذه الأحداث السيطرة على ما يجري في البلاد على كافة الصعد. مما سهل اختراق انظمته الأمنية ومنشاته النووية في أكثر من موقع وأكثر من مرة وما تقوم به ايران من عمليات ابتزاز للمجتمع الدولي حاليا أصبح مكشوفا ولن يجد لها نفعا بعد ان أصبح الطريق سهلا إلى كل منشاتها النووية ومعرفة ما يدور بداخلها وعجزها التام عن حماية منشآتها من الاختراق.