عثمان بن حمد أباالخيل
المثل الشهير: (لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع)، المثل الذي ملأ العالم، وترجم إلى الكثير من اللغات، كنت أظن أصله عربيًّا لكنه لاتيني في الأصل. الأصل بين الناس الاختلاف في الأذواق والآراء والتطلعات والأفكار والأمزجة والتقبل والرفض والحب والخصام والكثير من تفاصيل حياة الإنسان. الناس يختلفون لكنهم يتفقون على الاحترام وإن مات الاحترام تحول الاختلاف إلى خصام. هناك الكثير من العوائل يبدون حاجتهم إلى سلة فواكه لكنهم يختلفون في مكوناتها، هناك الكثير من الأزواج يتفقون على إعادة طلاء غرف نومهم لكنهم يختلفون في اللون المناسب. نحن البشر نظل مختلفين في وجهات النظر وفي تقييمنا للقضايا والأمور، وإن اختلافنا في الحقيقة هو ما يجعل كلاً منا مميزًا في وجهة نظره. لماذا يتخاصم الناس؟ يتخاصم الناس لأنهم مختلفون.
(رضا الناس غاية لا تدرك). إنك إن تلتمس رضا جميع الناس تلتمس ما لا يدرك، وكيف يتفق لك رأي المختلفين؟ يقول أطباء النفس: (إن الذي يفهم الآخرين يمتلك علمًا، والذي يفهم نفسه يملك حكمة). تتعجب حين يختلف الإنسان مع نفسه. هذه حقيقة، الجميع يعرفونها. التردد في اتخاذ القرار، والتململ، هذا اختلاف، أليس كذلك؟ وإقناع النفس ليس بالأمر السهل. الناس مختلفون في كل شيء، هي حقيقة يجب فهمها، ثم تقبّلها، ثم التعامل وفقها. لا تتوقع أن تجد من يتفق معك ومع آرائك ووجهات نظرك دائمًا، كذلك تأكد أن الناس مختلفون، طباعًا وأخلاقًا. هذا الاختلاف يعود إلى تفاوت المدارك والعقول. التسامح والقبول والمرونة تضيق فجوة الاختلاف، وتصل بالجميع إلى بر الأمان.
للاختلاف وجه جميل، وجه التناغم والحب، وهذا ما صاغه الأمير الشاعر نواف بن فيصل «أسير الشوق»، وقال شعرًا:
(اختلفنا مين يحب الثاني أكثر
واتفقنا إنك أكثر وأنا أكثر)
الاختلاف هو سر الجمال والتوازن، هو سر البقاء والألفة بين الناس، بدون الاختلاف تمضي الحياة في اتجاه واحد ممل. الاختلاف لا يعني الخلاف فلماذا الهجر والنسيان حين تختلف مع من تربع على عرش قلبك أو قلبك؟ «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» فلماذا لا تكون هذه العبارة منهج حياة. شكرًا من القلب (أحمد لطفي السيد) على هذه المقولة العظيمة الكبيرة القيمة التي يرددها ملايين البشر.
الحوار هو السبيل الوحيد بين المختلفين، الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتواصل بين البشر، وحين يغيب الحوار تتلبد السماء بالغيوم السوداء، ويحل الفيضان، ويدمَّر كل شيء جميل. والحوار يهدف إلى إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك، أو الاقتناع بوجهة نظره هو، وهذا يحتاج إلى أسلوب مهذب وأفكار مرتبة، والابتعاد عما يزيد الفجوة عمقًا بين المتحاورين.
الاقتناع بالرأي الآخر وتقبله دليل على النضج الفكري، والابتعاد عن الاختلاف الذي يفسد كل شيء جميل في حياة الإنسان. همسة لأولئك الذين يتمسكون بآرائهم الخاطئة: تمسكك يعطي للآخرين عنك صورة سلبية مما يؤدي إلى عدم الحوار معك لقصور الرؤية والضبابية في الفهم والإدراك.